هل يأخذ وقف المباني حكم وقف المسجد في الإسلام؟

السؤال: نرجو منكم التكرم بالرد وبأسرع وقت ممكن ردا تفصيليًا حول هذا الموضوع المهم جدًا، وهو: مسألة وقف المباني، هل تأخذ حكم وقف المسجد في الإسلام
وبالتالي هل تعتبر مراكز التحفيظ وقفية لها أجر وقف المسجد أو أن لها فضل معين مذكور خاصة إذا كانت هذه المراكز تدرس العلوم الشرعية ودورات لغة عربية وغيرها؟ ننتظر ردا بأسرع وقت ممكن لحاجتنا الماسة لرد مكتوب منك، وشرح مفصل حوله والسبب في ذلك: هو اعتقاد بعض الناس ممن طلبنا منهم مساعدة في تزويدنا بمبنى إضافي لتوسع أنشطتنا أن الوقف لا يكون إلا للمسجد، ولا يعادل وقف المبنى أو قطعة الأرض لمراكز التحفيظ في الأجر، فامتنعوا عن ذلك مع مقدرتهم عليه نحتاج لرد كفتوى لنستطيع إمدادهم بها.

بارك الله فيكِ وفي علمك دكتور وحفظك وأهلك من كل سوء.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد

فبخصوص استفساركم عن مسألة الوقف، فالجواب عنه كالآتي:

 فإن مما لا يخفى أن الوقف من أعظم القربات إلى الله تعالى، فقد حث الله تعالى عليه، وفسرّ به قوله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (سورة آل عمران: 92)، وفسرّ به أيضًا قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (سورة البقرة: 245)، وجعله الرسول صلى الله عليه وسلم من الصدقات الجاريات التي تبقى بعد موت صاحبه، وينتفع به وهو في قبره ما دام الوقت قائمًا.

ومما لا شك فيه أن” الوقف على المسجد” من القربات لكن الوقف أوسع منه بكثير، بل إن معظم الأوقاف التي أوقفت في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن على المساجد، بل

على الفقراء والمساكين، فقد وقف أبو طلحة بيرحاء بعد نزول الآية الكريمة (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (سورة آل عمران: 92)، على فقراء قرابته بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري في صحيحه ـ مع الفتح ـ عن أنس قال: (لما نزلت: ((لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ …) جاء أبو طلحة فقال: (وإن أحب أموالي إليّ: بيرحاء….) حيث أوقفها، وروى ابن خزيمة والدارقطني، والطحاوي وابو نعيم، والبيهقي أنه لما نزلت: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ…..) أو (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا……) جاء أبو طلحة…. فأوقف خير أرضه. (صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ (5/379 – 387)، ووقف عمر خير أرضه بخيبر على الفقراء والقربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، والضعيف وابن السبيل….) صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ (5/399)، ووقف سعد بن عبادة (حائطه المحراف صدقة عامة في ثواب أمه) صحيح البخاري ـ مع الفتح (5/385)، ووقف عثمان (بئر رومة على من يشرب منها، وبشره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة فقال: (من حفر رومة فله الجنة) صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ (5/407)، ووقف أنس دارًا لمن يسكنها من الفقراء وابن السبيل، ووقف ابن عمر دارًا لسكنى ذوي الحاجات. صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ (5/406).

بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد وقف أيضًا في وجوه الخير على الفقراء والمساكين.

وغرضي من هذا العرض أن معظم الأوقاف كانت في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم في وجه الخير العامة ولم تكن للمسجد خاصة إلاّ وقف بني النجار حيث طلب منهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبيعوا له الأرض التي كان يبنى عليها مسجده، فقالوا: (لا والله لا نطلب ثمنه إلاّ إلى الله) صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ (5/404).

 وذلك فالوقف على مدارس العلوم الشرعية، وعلى مراكز التحفيظ وطلبة العلم له أجر الوقف على المسجد، بل إنه في نظري أولى بالعناية، لأن المساجد ـ والحمد لله ـ تحت إشراف وزارة الأوقاف في كل بلد، وان (الأرض كلها مسجد وطهور) وأنها لا تتوقف، في حين أن المدارس ومراكز التحفيظ هي التي تبني الأجيال، وتربيهم.

 لذلك ادعو إلى إحياء سنة الوقف، بكل أنواعه، ولا سيما على المدارس، ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، وطلبة العلم، فحضارتنا الإسلامية هي حضارة الوقف.

وفق الله الجميع لإحياء هذه السنة العظيمة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

آخر الفتاوى