فتوى حول: حكم إقامة صلاة الجمعة في المسجد المخصص للنساء

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد

فقد وصلتني عدة أسئلة لها أهميتها في عصرنا الحاضر، نجيب عليها متوكلين على الله تعالى في التسديد والترشيد، وعلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومقاصد الشريعة، وما قاله العلماء الفضلاء، وما يقتضيه التجديد المنضبط بالضوابط الشرعية والمرتبط بالأصل، والمحقق لتقدم العصر.

السؤال الأول: هل يمكن أن تقام صلاة الجمعة في المسجد المخصص للنساء فقط؟

الجواب: إن من باب التيسير في الشريعة الإسلامية التخفيف على المرأة في بعض التكاليف نظرًا لظروفها الخاصة، ومنها صلاة الجمعة، حيث لا تجب عليها، ولكنها إذا حضرت الجمعة بالضوابط الشرعية، وأدت صلاة الجمعة كفتها، قال الحافظ الفقيه ابن المنذر في كتابه (الإجماع، 52-53): (وأجمعوا -أي علماء المسلمين- على أنهن إن حضرن الإمام فصَلين معه: أن ذلك يجزئ عنهن)، ومثله قاله ابن قدامة في المغني (2/88)، وهكذا الفتاوى المعاصرة.

واتفق المحققون أيضًا على أنه لا يجوز منع المرأة من حضور صلاة الجمعة والجماعة لورود أحاديث ثابتة في النهي عن منع النساء عن المساجد، حيث قال النبي صلى الله عليه: (لا تمنعوا نساءكم المساجد) رواه البخاري (900) ومسلم (442) وأحمد (5045) وأبو داود (567) وابن ماجه (16)، والتمهيد لابن عبد البر (24/179).

وأما بالنسبة لإقامة صلاة الجمعة في المسجد المخصص للنساء فقط، فهناك حالتان:

الحالة الأولى: أن تقام صلاة الجمعة في مسجد النساء المخصص، كالآتي:

يخطب الإمام خطبة الجمعة (خطبتان قصيرتان تتوافر فيهما الأركان والشروط)، ويكون بجانب الإمام شخصان أو أكثر من منتسبي المسجد، أو من غيرهم، ويكون خلفهم المصليات.

فهذه الجمعة صحيحة على الراجح من أقوال أهل العلم.

علمًا بأن من شروط إقامة الجمعة موافقة الدولة (وزارة الأوقاف) عليها.

ثم بعد الانتهاء من أداء مراسيم صلاة الجمعة يخرج الإمام ومن معه ليتيح المجال للأخت التي تريد أن تقوم بوعظ منفصل.

ويمكن أن يرتب الجامع بشكل يخصص للإمام ومن معه من الرجال مكان، ويكون بينه وبين الأخوات حجاب مقبول شرعًا.

وبذلك جمعنا بين الخيرين أداء صلاة الجمعة بصورة صحيحة، وقيام الأخوات المصليات بالأنشطة الدعوية والاجتماعية والتنموية بعد انتهاء صلاة الجمعة مباشرة.

الحالة الثانية: قيام الجمعة خطبة وإمامة بالنساء وحدهن، فهذا غير جائز، حيث لا يوجد دليل على صحة ذلك على الإطلاق.

ومن المعلوم أن فقه الميزان في أداء الشعائر هو أن الأصل في العبادات المحضة والشعائر هو الوقوف عند النص كمًّا وكيفًا على عكس العادات والمعاملات التي الأصل فيها الإباحة.

وأما إمامة النساء للنساء فقط في مساجد النساء أو داخل بيتها، فجائزة، وقد وردت في شأنها أحاديث ثابتة.

السؤال الثاني: هل يمكن للمرأة أن تخطب خطبة الجمعة في مسجد النساء؟

الجواب:

لا يصح ذلك -كما سبق- ؛ لأن الأصل في العبادات المحضة والشعائر التوقف عند النصوص الواردة، ولم يرد في شأن ذلك أي نص، ولكن ذكرنا الحل المقبول شرعًا، والمحقق للغرض المنشود في الجواب عن السؤال الأول / الحالة الأولى.

السؤال الثالث: هل للمرأة أن تؤذن للنساء فقط داخل المسجد؟

الجواب: يجوز للمرأة أن تؤذن لنفسها أو لجماعة من النساء، وعليها أن لا ترفع صوتها فوق الحاجة، قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في المغني (ط. دار عالم الكتاب 2011 (2/80): (وليس على النساء أذان ولا إقامة.. وهل يسنّ لهنّ ذلك؟ فقد روى عن أحمد، قال: إن فعلن فلا بأس، وإن لم يفعلن فجائز).

وروي عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تؤذن وتقيم، وبه قال اسحاق (المغني (2/80)، ويراجع: المهذب للذهبي (1/404)،

ويدل على جواز أذان المرأة الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده (6/405) وأبو داود في سننه في كتاب الصلاة، باب إمامة الصلاة (1/139) في جواز إمام النساء لأهل دارها، حيث أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأم ورقة بنت عبدالله، وقال الألباني في إرواء الغليل: (إسناده حسن)، ولأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حيث كانت تؤم النساء)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين -كما قال الألباني في تمام المنة (154) – ووجه الاستدلال أن المرأة في الإمامة ترفع صوتها بالتكبير ونحوه، وبالقراءة في الصلاة الجهرية.

والخلاصة أن أذان المرأة داخل مسجد النساء، وللنساء جائز.

السؤال الرابع: هل للمرأة أن تقيم إقامة للصلاة لجماعة النساء؟

الجواب: نعم لها الحق شرعًا في الإقامة لصلاتها منفردة، ولإقامة صلاة الجماعة للنساء بالاتفاق، بل إن جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية، والحنابلة) يرون استحباب ذلك، فقالوا: يستحب لهن الإقامة للصلاة من أجل إعلام الحاضرين ببدء الصلاة، ولكن عليها أن ترفع صوتها بمقدار الحاجة إلى تنبيه وتذكير من حولها من النساء.

وجاء في المغني (2/80): (قال القاضي: هل يستحب لها الإقامة؟ على روايتين، وعن جابر: أنها تقيم، وبه قال عطاء، ومجاهد، والأوزاعي..، وعن عائشة: أنها كانت تؤذن وتقيم، وبه قال اسحاق…)، ويراجع في ذلك: المهذب للذهبي (1/440)، والفواكه الدواني (1/72) والبحر الرائق (1/280) والموسوعة الفقهية الكويتية، مصطلح (إقامة) والفقه الإسلامي وأدلته ط. دار الفكر، الطبعة الرابعة (1/720).

آخر الفتاوى