فتوى حول: بناء مسجد جامع خاص بالنساء، وضوابطه

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

فقد وردني السؤال الآتي، أذكره بنصه، ثم الجواب المؤصل عنه بإذن الله تعالى:

(فضيلة الأستاذ الدكتور / علي محيى الدين القره داغي الموقر

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الموضوع / تشييد مسجد جامع للنساء فقط

بالإشارة إلى الموضوع أعلاه، فإنه يرجى التكرم بالعلم والإحاطة بأنه لدينا النية في إنشاء وتطوير مشروع مسجد جامع للنساء فقط بمدينة الدوحة.

وسوف يسمح للنساء بالصلاة فيه وتلقي الدروس العلمية وحلق تحفيظ القرآن دون الرجال ولذلك لمنح المصليات من النساء الراحة والاطمئنان.

كما يرجى العلم بأنه لا مانع لدينا من وجود إمام وخطيب من الرجال وخصوصًا لصلاة الجمعة والعيد، كما أننا نود أن تأمّ المرأة بالنساء في الصلوات اليومية لتحقيق المنشود من إقامة مثل هذا المسجد.

يرجى التكرم بموافاتنا بالفتوى والضوابط الشرعية التي يجب اتباعها في حال تم إنشاء هذا المسجد.

شاكرين لفضيلتكم التكرم بالرد على ما سبق

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير).

وللإجابة عن ذلك، نقول:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

فبما أن الموضوع جديد يحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث للوصول إلى رأي مقبول شرعًا يحافظ على الثوابت، ولكنه يصول ويجول في دائرة ما يمكن الاجتهاد فيه، ولذلك رجعت إلى كتاب الله تعالى، وكتب السنة والسيرة العطرة، وإلى أقوال العلماء من الصحابة والتابعين والفقهاء أصحاب المذاهب الفقهية، وتابعت أقوالهم إلى أن وصلت إلى رأي العلماء المتأخرين.

ولذلك رأيت أن إصدار فتوى بالجواز أو المنع دون التفصيل أو التأصيل لن يغني ويحقق الهدف المنشود، وإنما الموضوع يحتاج إلى بحث فقهي حديثي مؤصل بالأدلة المعتبرة، والمقاصد العامة، والمبادئ الكلية، وتدعيمها بالتطبيقات العلمية القائمة على فقه الميزان، وتحقيق المناط وفقه المآلات.

ولذلك بَنيْتُ الفتوى على مدى جواز إمامة المرأة للنساء وحدهنّ في السنة المطهرة، ولدى الفقهاء الربانيين، فإذا جاز ذلك فيكون تخصيص مسجد خاص بهنّ تطبيقًا لهذا المبدأ، ثم اتجهت نحو موقف الإسلام نحو المرأة من حيث العدالة والمساواة القائمة على فقه الميزان والتوازن الدقيق مواصلاً البحث للوصول ببيان مقصد الرسول صلى الله عليه وسلم من أربعة إجراءات مهمة، حيث توصلت إلى أن مقصده صلى الله عليه وسلم كان مشاركة النساء في العبادات الجماعية ولكن مع توفير ما يحقق خصوصيتهنّ وسكينتهنً وخشوعهنً، ثم خلاصة الفتوى المتمخضة من كل ما سبق.

والله تعالى أسأل أن يعصمني من الخطأ والزلل في القول والعمل، إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير والمجيب.

الموضوع الأول: في إمامة المرأة للنساء، وقراءتها جهرًا، وأذانها:

أولاً – إمامة المرأة للنساء في السنة المطهرة:

أ- فقد روى الإمام أحمد، وأبو داود، والحاكم بسندهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أذن لأم ورقة – وكانت قد جمعت القرآن- أن تؤم أهل بيتها)[1].

والحديث ثابت ينهض حجة على جواز إمامة المرأة للنساء والمحارم من أهل البيت.

وفي لفظ رواه الحاكم في المستدرك بلفظ وغيره (أمرها أن تؤم أهل دارها في الفرائض) [2] ولا شك أن لفظ (أمرها) يدل على استحباب ذلك على الأقل إن لم يدل على الوجوب.

وقد عقد الإمام الحافظ أبو داود بابًا سماه (باب إمامة النساء) ثم روى بسنده الحسن عن أم ورقة بنت نوفل: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرًا قالت: (قلت له: يا رسول الله ائذن لي في الغزو معك، أمرّض مرضاكم لعل الله يرزقني شهادة. قال: (قرّي بيتك فإن الله يرزقك الشهادة) قال: فكانت تسمى الشهيدة، قال وكانت قد قرأت القرآن، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذنًا فأذن لها، قال: وكانت دبّرت – أي أوصت بالعتق بعد الموت- غلامًا وجارية، فقاما إليها بالليل فغمّاها بقطيفة لها حتى ماتت وذهبا…) [3]، وفي الإصابة: (فلما أصبح عمر قال: والله ما سمعت قراءة خالتي أم الورقة البارحة، فدخل الدار فلم ير شيئًا، فدخل البيت فإذا هي ملفوفة في قطيفة في جانب البيت فقال: صدق رسول الله عليه وسلم، ثم صعد المنبر فذكر الخبر فقال: عليّ بهما، فأتي بهما، فسألهما فأقرّا أنهما قتلاها، فأمر بهما فصلبا)، وفي رواية أبي داود فكانا أول مصلوب في المدينة) [4].

وفي رواية حسنة أخرى لأبي داود: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزوروها في بيتها، وجعل لها مؤذنًا يؤذن لها، وامرها أن يؤم أهل دارها) [5]، قال عبد الرحمن (راوي الحديث) فأنا رأيت مؤذنها شيخًا كبيرًا) [6]، وقال المباركفوري: (ثبت من هذا الحديث أن إمامة النساء وجماعتهنّ صحيحة ثابتة من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أمّت النساء عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما في الفرض والتراويح)[7].

وكذلك ورد عن رائطة الحنفية (أي من بني حنيفة) أن عائشة أم المؤمنين أمّتهنّ في صلاة الفريضة) [8] وعن تميمة بنت سليمة عن عائشة رضي الله عنها (أنها أمّت النساء في صلاة المغرب فقامت وسطهنّ، وجهرت بالقراءة) [9]، وكذلك روي أن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها (كانت تؤم النساء في رمضان، وتقف معهنّ في الصف) [10]، وكذلك روى عن ابن عمر أنه (كان يأمر جارية له أن تؤم نساءه في رمضان) [11].

ب- بل يدل أيضًا على صحة إمامة المرأة للنساء، الحديث الصحيح بلفظ: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة…) [12] حيث إن الحديث يشمل الرجال والنساء، وقد ذكر الشيخ ابن باز رحمه الله أن هذا الحديث يعم الرجال، والنساء أي عند إمامة المرأة لهنّ، وقد ثبت عن عائشة وأم سلمة أنهما أمّتا النساء، فإذا تيسر للمرأة القارئة الفقيهة أن تؤمّ نساء أهل دارها، أو يجتمع عندها بعض أخواتها وتؤمهنّ فهذا كله حسن، وفيه مصالح… فالحاصل أن إمامة المرأة للنساء لا بأس بها ولا حرج فيها، بل هي مستحبة إذا دعت الحاجة إلى ذلك وصارت الإمامة عندها علم وفقه حتى تعلّم أخواتها وتفقهنّ) [13].

ثانيًا- حكم إمامة المرأة للنساء لدى السلف الصالح وفقهائنا العظام:

الرأي الأول: ذهب جمهور الفقهاء (أي الحنفية، والشافعية، والحنابلة) [14] إلى جواز إمامة المرأة للنساء، خلافًا للمالكية الذين منعوا إمامة المرأة مطلقًا[15]، ولكن الراجح الذي يقترب من الصواب هو الجواز للأحاديث الكثيرة الدالة على جواز ذلك، بل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أم ورقة بإمامة أهل دارها، وفعل عدد من الصحابيات على رأسهنّ أمّ المؤمنين عائشة، وأم ّالمؤمنين أمّ سلمة رضي الله عنهما – كما سبق-.

الرأي الثاني: وذهب جماعة منهم ابن القيم إلى استحباب صلاة النساء جماعة وحدهنّ لحديث أم ورقة، ولما سبق من أن عائشة، وأم سلمة رضي الله عنهما أمّت النساء وحدهنّ، ثم ذكر ابن القيم أنه لو لم يكن في المسألة إلاّ عموم قوله صلى الله عليه وسلم (فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) [16] لكفى[17].

وقد عقد الإمام الحافظ عبد الرزاق في مصنفه: باب (المرأة تؤم النساء) ثم روى عن ابن جريج قال: (تؤم المرأة النساء من غير أن تخرج أمامهنّ، ولكن تحاذي بهنّ في المكتوبة والتطوع. قلت: وإن كثرن حتى يكنّ صفين أو أكثر؟ قال: وأن تقوم وسطهنّ)[18]، وروى مثله عن مجاهد وعطاء[19]، ثم روى بسنده عن حجيرة بنت حصين قالت: (أمّتنا ام سلمة في صلاة العصر، قامت بيننا) [20]، وروى أيضًا بسنده عن ابن عباس قال: تؤم المرأة النساء تقوم وسطهنّ) [21].

وروى مثله عن إبراهيم النخعي، والشعبي، ومعمر، وعكرمة[22]، وروى عن رَيْطَة الحنفية أن عائشة أمّتهنّ وقامت بينهنّ في صلاة مكتوبة[23]، ثم روى أنها كانت تؤمهنّ في التطوع[24]، وروى كذلك عن قتادة قال: إذا كان الرجل لا يقرأ مع نساء تُقدَّم – أي المرأة القارئة-، وقرأت المرأة من ورائه، فإذا كبّر وركع، ركعت بركوعه، وسجدت بسجوده) [25].

قال ابن قدامة: (اختلفت الرواية – أي عن أحمد- هل يستحب أن تصلي المرأة بالنساء جماعة؟ فروى: أن ذلك مستحب، ومما روى عنه أن المرأة تؤم النساء عائشة، وام سلمة، وعطاء، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وروى – أي رواية أخرى- عن أحمد أن ذلك غير مستحب) [26]، ثم أسند ابن قدامة حديث أم ورقة، وأن النساء من أهل الفرض، مثل الرجال[27].

الرأي الثالث: وهناك رأي آخر لبعض الفقهاء، منهم الشعبي، والنخعي، وقتادة أن لهنّ إمامة النساء في الصلوات المستحبة دون الفرائض[28].

وقوف المرأة للإمامة وسط النساء:

وقد اتفق الفقهاء على أن المرأة إذا أمّت جماعة من النساء أكثر من واحدة تقف وسطهنّ[29]، وذكر ابن قدامة رأيًا بصحة إمامتها حتى ولو تقدّمت عليهنّ لأنه موقف في الجملة[30].

عدم جواز إمامة المرأة للرجال:

وهذا هو رأي جماهير الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية، والحنابلة في الرواية المشهورة، والظاهرية[31]، حتى ادعى بعضهم الإجماع على ذلك، ولكن ادعاء الإجماع غير صحيح لوجود خلاف قديم فيه.

وخالفهم في ذلك الحنابلة في رواية حيث أجازوا إمامة المرأة للرجال في النوافل، وعنه أيضًا تصح التراويح نصّ عليه وهو الأشهر عند المتقدمين.

ثالثًا- جَهْرُ المرأة بالقراءة:

يجوز للمرأة عندما تؤم النساء أن تجهر بقراءتها في الصلوات الجهرية (الفجر، المغرب، والعشاء)، وكذلك في صلاة التراويح، وتسرّ في الصلاتين الأخريين (الظهر والعصر) وهذا رأي الشافعية والحنابلة[32]، قال ابن قدامة: (وتجهر في صلاة الجهر وإن كان ثمّ رجال لا تجهر إلاّ أن يكونوا من محارمها فلا بأس) [33].

ولكن الراجح القول الأول، لأن صوت المرأة بالمعروف ليس بعورة قال تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا) [34] وقال تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [35].

رابعًا- أذان المرأة للصلاة:

وأما الأذان للمرأة فهو غير جائز ولا مشروع عند جماهير الفقهاء، ولكن الشافعية في قول راجح لهم أجازوا لها الأذان بشرط أن ينحصر صوتها داخل النساء، قال النووي: (وإذا قلنا: تؤذن، لا ترفع الصوت فوق ما تسمع صواحبها، اتفق الأصحاب عليه، ونصّ عليه في الأم) [36].

وذهب بعض الفقهاء إلى صحة أذان المرأة مطلقًا أي بحضور الرجال ولكن مع الكراهة[37]، والراجح قول الشافعية، وروى البيهقي بسنده عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء، وتقوم وسطهنّ[38].

الموضوع الثاني: سبق الإسلام في إثبات حقوق النساء المناسبة لطبيعتهنّ، وفي مشاركتهنّ للرجال في العبادات:

ودون الخوض في هذا الموضوع المهم فأود أن أركز على ما يتعلق بموضوعها، وهو أن المرأة في الإسلام هي النصف الثاني الذي يتكون منه الزوج، وهذا يعني أن المرأة هي نصف المشروع أو البناء أو العدد، والنصف الآخر هو الرجل، ولذلك لاتصاف تاء التأنيث إلى الزوج فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [39]، ولذلك فالأصل هو المساواة إلاّ ما دليل عليه دليل على خصوصية الرجل أو المرأة به، فهي متساوية في مبدأ الحقوق والواجبات، والمسؤولية والعبادات، وكذلك وفي وجوب تحقيق الكليات الست، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل، والعرض حفظًا وحماية وتنمية[40].

حثّ الرسول صلى الله عليه وسلم على مشاركة النساء في المساجد والجمع والجماعات والأعياد (خطوة كبرى):

إذا لاحظنا العصر الذي بعث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالنساء نجد أن الإسلام تجاوز كل الأنظمة والأديان والعادات السائدة فيه، ليس في مجال إقرار الحقوق واعتبارهنّ ” شقائق الرجال” [41] حيث لم يكن لهنّ الحق في المشاركة في العبادات وحضور الكنيس في الديانة اليهودية وكذلك بقية الأديان[42].

ولذلك يأتي حثّ الرسول صلى الله عليه وسلم على مشاركتهنّ في المناسبات الدينية جنبًا إلى جنب الرجال خطوة متقدمة جدًا، حيث قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)[43] وقد ورد في سبب هذا الحديث: (أن عاتكة بنت زيد بن عمر بن نفيل تشهد – أي تحضر- صلاة الصبح، وصلاة العشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر رضي الله عنه يكره ذلك الخروج ويغار؟ قال: وما يمنعه أن ينهاني؟ قيل: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) بل وردت في أحاديث أخرى أن النساء يشهدن الصلوات كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده[44].

وخروج المرأة إلى المساجد محل اتفاق بين الفقهاء ما لم تكن هناك فتنة وإثارة.

وقد ذكر الفقهاء أن المرأة تتساوى في الأجر المضاعف ما دام خروجها مندوبًا مثل صلاة العيد، حيث قال الإمام ابن دقيق العبد: (فحيث يندب للمرأة الخروج إلى المسجد ينبغي أن تتساوى مع الرجل، لأن وصف الرجولية بالنسبة إلى ثواب الأعمال غير معتبر شرعًا) [45].

المقصد الشرعي من منع اختلاط النساء بالرجال، وبخاصة عند صلوات الجماعة والجمعة:

فكما قلت في الفقرة السابقة فإن حثّ الرسول صلى الله عليه وسلم على مشاركة النساء جنبًا إلى جنب مع الرجال في صلوات الجماعة والجمعة والعيدين كان سابقة لجميع الأديان، وخطوة متقدمة بكل المعايير، حتى إننا نرى اليوم في القرن الواحد والعشرين أن كثيرًا من المجتمعات لا تسمح لحضور المرأة الجمعة والجماعات.

ولكنه مع ذلك فإننا نلاحظ بوضوح أن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أذن، أو أمر بحضور المرأة في هذه العبادات كان حريصًا على عدم اختلاط النساء بالرجال اختلاطًا تترتب عليه مفاسد، ويدل على ذلك ما يأتي:

(أ) انصراف النساء بعد الصلاة مباشرة، ومكث الرسول صلى الله وعليه والصحابة.

فقد روى البخاري وغيره بسندهم ان أم سلمة (أم المؤمنين) رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مقامه يسيرًا قبل أن يقوم) قال الزهري: (والله أعلم، أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم) يعني الرجال[46]، وفي رواية صحيحة أخرى عن أم سلمة قالت (كان صلى الله عليه وسلم يسلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله) [47] قال الحافظ ابن حجر: (وفي الحديث مراعاة الإمامة لأحوال المأمومين، والاحتياط في اجتناب ما قد يفضي إليه الأمر من محذور) ثم قال: (فيه اجتناب مواضع التهم، وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات، فضلاً عن البيوت) [48].

(ب) جعل صفوف النساء في مؤخرة المسجد:

فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ضمن خططه الاحترازية لمنع الاختلاط في المسجد أن تكون صفوف النساء في مؤخرة المسجد، وصفوف الرجال في مقدمته، وذلك لأجل تسهيل دخول النساء في المسجد، وخروجهنّ منه، وعدم مزاحمة الرجال لهنّ، حيث كنّ يدخلن مؤخرة المسجد، ثم يخرجن قبل خروج الرجال،وما ذلك إلاّ لأهمية وخصوصية النساء، فقد عقد البخاري باب (سرعة انصراف النساء من الصبح)[49] وكذلك عقد أبو داود بابًا خاصًا سماه (باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة) [50]، كما أن ابن حيان أوضح ذلك في باب (ذكر ما يجب على الرجال إذا سلم إمامهم التربص بانصراف النساء ثم يقومون بحوائجهم) ثم روى بسنده عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كنّ النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلّم من المكتوبة قُمْنَ، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلّى خلفه من الرجال، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال) [51].

(ج) ترغيب الرسول صلى الله عليه وسلم في تخصيص باب للنساء يدخلن ويخرجن منه، كما في حديث ابن عمر مرفوعًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو تركنا هذا الباب للنساء)، قال نافع راوي الحديث: (فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات) [52].

(د) طلب الصحابيات تخصيص يوم ومجلس لهنّ، واستجابة النبي صلى الله عليه وسلم لهنّ.

أدركت الصحابيات رضي الله عنهنّ حاجتهن إلى وعظ الرسول صلى الله عليه وسلم وطرح بعض أسئلتهنّ الخاصة بهنّ عليه صلى الله عليه وسلم، ورعاية خصوصيتهنّ، ولهذا ذهبت نسوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبن منه تخصيص يوم ومجلس خاص بهن فقلن: يار سول الله، ما نقدر عليك في مجلسك من الرجال، فواعدنا منك يومًا نأتيك فيه. قال صلى الله عليه وسلم (موعدكن بيت فلان) وأتاهنّ في ذلك اليوم، ولذلك الموعد، قال الراوي وهو أبو هريرة: (فكان مما قال لهنّ: (ما من امرأة تقدم ثلاثًا من الولد تحتسبهم إلاّ دخلت الجنة) فقال امرأة منهنّ: أو اثنان، قال صلى الله عليه وسلم: (أو اثنان) [53].

فهذا الحديث الصحيح أصل ثابت في أن الشريعة راعت واعتنت بخصوصية المرأة في العبادات والمجالس والوعظ والدروس، فلو حضرت المرأة دروس الرسول صلى الله عليه وسلم العامة قد لا تستطيع عرض أسئلتها أو مشاكلها، أو أنها تستحي، وحتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكنه تخصيص الدرس العام لما تريده النساء، في حين لو خصص لهن مجلسًا ومكانًا خاصًا بهن لركز الرسول صلى الله عليه وسلم في درسه ووعظه على ما تحتاجه المرأة المسلمة عبادة وأخلاقًا وسلوكًا، وصبرًا، كما رأينا في هذا المجلس، حتى إن إحداهنّ طلبن إضافة (وفاة ولدين) وإلحاقهما بوفاة الثلاثة، فوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك.

تخصيص مسجد جامع خاص بهنّ أمر مشروع:

وبناء على كل ما سبق فإن تخصيص مسجد خاص بهنّ أمر مشروع، وقصدي من ذلك أن بناء مسجد جامع خاص بهنّ يحقق الغرض المنشود وهذا المقصد الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الإجراءات الأربعة، فبالإضافة إلى الراحة والاطمئنان النفسي والخشوع تستطيع الأخت الإمامة أو الواعظة أن تركز على حاجات النساء وعلى حلّ مشاكلهن النفسية والواقعية والدينية من صيدلية الإسلام، كما أن لهنّ كامل الحرية في المناقشات والحوار للوصول إلى الحلول الصحيحة.

ومن جانب آخر يمكن للمرأة المسلمة أن تأتي بالأخوات غير الملتزمات، أو حتى غير المسلمات إلى المسجد للتفقه والتعلم أو للحوار والمناقشة، وكل ذلك مبررات شرعية لتخصيص مسجد جامع خاص بهنّ.

فكل ما ذكرناه وناقشناه من الأحاديث والآثار يدل بوضوح على ما يأتي:

أولاً – أن من أهم مقاصد الشريعة توفير الحرية والمناخ المناسب والجو الهادئ والظروف المناسبة لأداء العبادات في أجواء السكينة والخشوع دون أن يكدرها أي شيء من الاختلاط وكل ما يؤثر على هذا الخشوع الذي جعله الله تعالى شرطًا لكمال الصلاة، وقبولها فقال تعالى: (قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ) [54].

ولذلك تأتي كل هذه الإجراءات الأربعة التي ذكرناها في إطار تحقيق هذا المقصد العظيم، الذي يتحقق كاملاً من خلال تخصيص مسجد جامع خاص بالنساء لا يشوش أعمالهنّ وصلواتهنّ، من دخول الرجال واختلاطهم معهنّ.

ثانيًا – أن ما كان عليه النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هو تخصيص مؤخرة المسجد لصفوفهنّ، وفي ذلك شيء من التخصيص، ولكن لو خصص لهنّ مسجد جامع خاص بهنّ في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم لحُرمن من التشرف بلقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسماع وعظه وتلاوته وتعليمه وتزكيته الدائمة، ومع ذلك طلبن مجلسًا خاصًا بهنّ، واستجاب لهن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما سبق.

ففي سياق ذلك يفهم أن تخصيص مسجد جامع بهنّ – بعد وفاة رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم – ليس أمرًا خارجًا من هذه المقاصد العامة.

ثالثًا- أن كثيرًا من علماء السلف والخلف ذهبوا إلى أن صفوف النساء في المساجد الخاصة بهنّ تطبق عليها قواعد صفوف الرجال – كما سبق – وفي ذلك دلالة واضحة على جواز تخصيص مسجد جامع خاص بهنّ يقول الإمام النووي: (وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال فهنّ كالرجال، خير صفوفهنً أولها..) [55].

رابعًا- إن من أقوى الأدلة إذن الرسول صلى الله عليه وسلم وأمره أم ورقة بأن تؤم أهل دارها، وهو حديث ثابت صحيح بكثرة طرقه، أو حسن مشهور عند معظم علماء الحديث، وبالتالي فهو ينهض حجة على جواز تخصيص مسجد جامع للنساء، لأن هذه الصحابية رتبت لنفسها مسجدًا ومؤذنًا شيخًا كبيرا يؤذن لها.

وهذا هو المسجد الذي نريده، حيث إنه من المعلوم في الإسلام أن الأرض كلها مسجد وطهور فأي بقعة تصلى فيها فهي مسجد.

خامسًا – من خلال القرون اللاحقة خصصت للنساء أماكن خاصة، بل مساجد خاصة داخل المسجد الجامع، حتى سميت مسجد النساء، وبخاصة في القرن الأخير في المملكة العربية السعودية، وفي كثير من بلاد العالم الإسلامي مثل ماليزيا، وإندونيسيا، بالإضافة إلى مصليات خاصة أو مساجد خاصة بالطالبات في الجامعات الإسلامية ولم يعترض على تخصيص هذه المساجد للنساء أحد من العلماء المعتبرين بل دافعوا عنها بأنها أفضل من صلاتهنّ في مؤخرة المسجد خوفًا من الاختلاط وفساد الزمان، ومع ذلك فإن هذا التخصيص بهذا الشكل لم يكن موجودًا في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، والخلافة الراشدة، فما ذلك إلاّ لأن هذا التخصيص لا يخرج عن إطار النصوص الشرعية ومقاصدها ومبادئها العامة.

سادسًا- أن المحققين من علماء السلف والخلف قد فرقوا بين العبادة ذاتها بمعنى الشعائر المحضة، مثل الصلاة والحج، وبين وسائلها الخارجة عنها، فالعبادة الشعائرية لا تجوز فيها الزيادة، وتغيير هيئاتها، لأنها تعبدية توقيفية، فلا يجوز زيادة صلاة، أو تغيير هيئتها، لأن ذلك يدخل في البدعة المحرمة، أما الوسائل التي تؤدي إلى تحقيق العبادة فهي أوسع من باب العبادة نفسها، فمثلاً الأذان وسيلة من وسائل الإعلام عن الصلاة، ولذلك يجوز تحديثها – كما هو الحال اليوم – بوسائل حديثة من الميكروفونات ونحوها، ومثال آخر في باب الجهاد في سبيل الله وهو عبادة فقد قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [56]، فقد أجمع الفقهاء على جواز تحديث هذه الوسائل وجعلها دبابات وطائرات وصواريخ…الخ.

وكذلك كانت وسائل بناء المساجد في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم الطين والحصر والنخيل، بينما اليوم تبنى المساجد – حتى المسجد الحرام، ومسجد رسول الله، بالأحجار والرخام والاسمنت والحديد ونحوها.

فكذلك الحال إذا خصصنا مسجدًا خاصًا بالنساء، فكأنما قد طوّرنا المكان المخصص، أو مؤخرة المسجد وجعلناه مسجدًا جامعًا خاصًا بهنّ.

خلاصة الفتوى في بناء مسجد جامع خاص بالنساء، وضوابطه:

وختامًا نقول:

أولاً – أن تخصيص مسجد جامع خاص بالنساء جائز شرعًا، لعدة أدلة منها:

أ- وجود مجموعة من الأحاديث الثابتة الدالة على انفراد النساء بجماعة خاصة بهنّ تؤمهن إحداهن حسب ضوابط الإمامة من تقديم الأفقه الحافظ، ثم الأكثر حفظًا ثم الأسنّ.

والاستدلال بها يأتي من خلال أن إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك و أمره بإقامة جماعة خاصة بالنساء، وكذلك قيام بعض أمهات المؤمنين وبعض الصحابيات بذلك، لدليل واضح على جوازه.

لأن الأرض كلها مسجد في نظر الإسلام كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض كلها مسجدًا وطهورًا) [57].

إذن نستطيع القول بأنه قد تحقق في عصر الرسول صلى الله وعليه وصحابته الكرام مسجد داخل البيت وخارجه صلت فيه النساء وحدهن، وذلك يدل على جواز تخصيص مسجد خاص بالنساء يبتعد فيه عن اختلاط الرجال بالنساء، ويحافظ فيه على حريتهن وكرامتهن، دون إزعاج من أحد.

ب- ومنها أن عدم اختلاط النساء بالرجال – كما ذكرنا – وبناء مسجد جامع خاص بهنّ يحقق هذا المقصد تمامًا.

ثانيًا – إن ترتيب مسجد جامع خاص بهن يتحقق بإحدى الصور الآتية:

الصورة الأولى: ان يكون المسجد الجامع الخاص بالنساء مخصصًا لأداء الفروض دون صلاة الجمعة.

وفي هذه الحالة يجوز أن يكون الإمام منهنّ، في جميع الأوقات.

وأما الأذان فيمكن أن يكتفى فيه بالأذان الخارجي لبقية المساجد والجوامع، وعندئذ يكتفى فيه بالإقامة الداخلية للصلوات، وفي هذه الحالة يتخصص المسجد للنساء إمامة وإدارة وخدمات.

الصورة الثانية: أن يخصص المسجد الجامع للنساء فقط، لتقام فيه الصلوات المفروضة، بما فيها صلاة الظهر يوم الجمعة، بحيث تقوم إحدى الأخوات بتقديم درس مفصل علمي بدل خطبة الجمعة.، ثم تقام صلاة الظهر أربع ركعات بالجماعة.

وهذا أيضًا جائز، لأن إقامة الجمعة للنساء ليست فرضًا.

الصورة الثالثة: أن يخصص المسجد الجامع وفقًا لما يأتي:

1- إقامة جميع الفروض جماعة بإمامة النساء، ما عدا خطبة الجمعة وصلاة الجمعة.

2- أن تقام فيها الجمعة، من خلال خطيب رجل ومعه شخصان كمؤذنين مثلاً ليكتمل العدد المطلوب ممن تجب عليه الجمعة وهو ثلاثة على الأقل.

3- وفي بقية الفروض يكون المسجد الجامع خاصًا بالنساء إمامة، فأما الأذان فيمكن أن يكتفى فيه بالأذان الخارجي، أو يربط أذان المسجد بأذان أحد المساجد القريبة، أو يؤتى بمؤذن رجل، فيؤذن ثم يخرج فورًا، أو أن تخصص غرفة خارج المسجد للمؤذن فيؤذن ثم يخرج مثلاً.

وهذه الصورة الثالثة هي الأفضل في نظري.

ثالثًا- يجوز للمرأة أن تؤم النساء وحدهنّ في جميع الفروض والتروايح لما ورد في السنة الثابتة، ولما عليه جمهور الفقهاء.

رابعًا – ذهب جماعة من الفقهاء إلى استحباب إمامة المرأة للنساء للأدلة التي ذكرناها، وهذا يؤكد مشروعية المسجد الخاص بهنّ.

خامسًا – إذا أمّت المرأة بالنساء فتجهر بالقراءة جهرًا في الصلوات الجهرية (الفجر، والمغرب، والعشاء) والتراويح وقيام الليل، وتسر في الصلوات السرية (الظهر والعصر).

سادسًا- أن المرأة التي تحضر صلاة الجماعة لها فضيلة الجماعة 27 درجة، وذلك بفضل الله تعالى ورحمته.

سابعًا- إذا أمّت المرأة النساء فيجب عليها أن تقف وسطهنّ إن كانت معها اثنتان أو أكثر، أما إذا وجدت واحدة فتقف المأمومة على يمين الإمامة بمحاذاتها كما هو الحال في إمامة الرجل للرجال.

ثامنًا- يراعى في إمامة النساء كيفية الأفضلية – مثل إمامة الرجال- حيث تتقدم الأفقه منهنّ، ثم الأحفظ لكتاب الله، ثم الأسنّ، أما في حالة وجود الإمامة المتعينة (أي إمام الراتب) فتتقدم هي دائمًا.

تاسعًا- يجوز أن تؤم الأطفال غير المميّزين مثل مَن كان عمره في حدود سبع سنوات وأقل، وبالتالي فلا مانع من حضور الأطفال غير المميزين مع أمهاتهم او أخواتهم جماعة النساء.

عاشرًا – لا تؤم المرأة الرجال والأطفال المميّزين.

حادي عشر- لا تؤذن المرأة أذانًا يتجاوز حدود سمع النساء الحاضرات أو المسجد، ولكن لو أذنت بينهن فقط فلا مانع من ذلك شرعًا.

ثاني عشر- للمرأة الحق في الإقامة لنفسها، أو للنساء، أو داخل المسجد الخاص بهن، بل هي مستحبة لهنّ أيضًا.

ثلاثة عشر- بما أن المرأة ليست عليها فريضة الجمعة، ولكن لو حضرتها في الجوامع العامة أو الخاصة بشروطها لصحت جمعتها وكفتها ما دام يحضرها ثلاثة رجال فأكثر.

وقد ذكرنا الحلول المناسبة في البند (ثانيًا).

أربعة عشر- لا تجوز إمامة النساء للرجال، قال النووي: (وسواء في منع إمامة الرجل للرجال، صلاة الفرض والتراويح، وسائر النوافل، وهذا مذهبنا)[58]، وخص بعضهم الجواز بذي الرحم، وبعضهم بكونها عجوزًا، وخصه بعضهم بأن تكون أقرأ من الرجال[59]، ودليهم في ذلك حديث أم ورقة حيث أذن لها الرسول الله صلى الله عليه أو أمرها أن تؤم أهل دارها، وكان لها مؤذن شيخ كبير – كما سبق – فالحديث يعمّ كل من أهل الدار [60].

وقد حمل فضيلة الشيخ الدكتور زيدان عدم جواز إمامة المرأة للرجال في المساجد العامة، وجوازها على صلاتها بهم في دارها[61].

وهنا قول ثالث منسوب إلى أبي ثور، والمزني، والطبري بجواز إمامتها للرجال مطلقًا في فرض ونفل، ولكنه وصفه ابن رشد بأنه قول شاذ[62].

والذي يظهر رجحانه هو قول جماهير الفقهاء بجواز إمامة المرأة للنساء والأطفال غير المميّزين، وعدم جوازها للرجال إلاّ إذا كانوا من محارمها.

خمسة عشر- في حالة صلوات النساء بالجماعة وحدهنّ في مسجد جامع خاص بهنّ ينطبق على صفوفهنّ ما هو ثابت لصفوف الرجال من أن الأفضلية للصفوف الأولى، فقد ورد حديث ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير صفوف الرجال أولها، وشرهًا آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرّها أولها) [63] فقد خصص شراح الحديث هذا الحديث بالجامع الواحد الذي يجتمع فيه الرجال والنساء، يقول الإمام النووي: (المراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال، وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال فهي كالرجال خير صفوفهن أولها..) [64].

ستة عشر- ولا مانع من دعوة العلماء والدعاة لإلقاء المحاضرات في هذا المسجد الجامع، بل هذا هو الأفضل.

سبعة عشر – صلاة الجماعة سنة للنساء في حالة عدم وجود الموانع الشرعية، وبالتالي يكون لهنّ اجر الجماعة وفضيلتها التي تحدثت عنها الأحاديث الصحيحة، منها فضيلة 27 درجة على الصلاة المنفردة.

هذا والله أعلم بالصواب

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

        كتبه الفقير إلى ربه

                                   أ.د. علي محيى الدين القره داغي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين     

 الدوحة في 27 جمادي الأولى 1441هـ  الموافق22 January 2020   

 


([1]) رواه أبو داود بسند حسن وترجم له: باب إمامة النساء، الحديث رقم 592 وابن خزيمة في صحيحه (3/89) الحديث 1676 والحديث صححه ابن القيم في إعلام الموقعين (2/274) وقال الألباني في صحيح أبي داود (حسن) وكذلك في إرواء الغليل 493 ورواه أيضًا البيهقي (3/130) والدارقطني (1/403).

([2]) رواه الحاكم في المستدرك (1/203) والبيهقي (3/130) وغيرهما، والحديث صححه ابن القيم في العام الموقعين (2/274) وحسنه الألباني في إرواء الغليل (2/255)

([3]) يراجع: سنن أبي داود مع شرحها: عون المعبود (2/300) الحديث رقم 577

([4]) يراجع: المصدر السابق نفسه

([5]) يراجع: المصدر السابق نفسه

([6]) يراجع: المصدر السابق الحديث 578

([7]) يراجع: عون المعبود (2/301)

([8]) رواه عبدالرزاق في المصنف (3/141) رقم الحديث 5086 وابن أبي شيبة في المصنف (2/89) والحاكم في المستدرك (1/203) والدارقطني (1/404) والبيهقي في السنن (3/131) وابن حزم (5/357)

([9]) يراجع المصادر السابقة

([10]) رواه عبدالرزاق في المصنف (2/140) رقم الحديث 5082 وابن أبي شيبة في مصنفه (2/89) والشافعي في مسنده (6/86) والدارقطني (1/404) والبيهقي في السنن (3/131) وابن حزم (3/172)

([11]) يراجع المصادر السابقة

([12]) الحديث رواه مسلم في صحيحه 673 وأبو داود 582 والترمذي 235 والنسائي 780 وابن ماجه 980 وأحمد 17063 وغيرهم

([13]) يراجع مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (12/130، والموقع الرسمي للشيخ ابن باز رحمه الله تعالى

([14]) يراجع: حاشية ابن عابدين (1/388) وشرح الخرشي (2/22) وجواهر الاكليل (1/78) وحاشية الدسوقي (1/336) ونهاية المحتاج (2/167-187) والمغني لابن قدامة (3/37-39) والموسوعة الفقهية الكويتية (6/240)

([15]) يراجع: المغني لابن قدامة (3/37)

([16]) الحديث صحيح متفق عليه، ورواه البخاري

([17]) يراجع: إعلام الموقعين (3/357)

([18]) يراجع: المصنف للحافظ الكبير أب بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني ط. المكتب الإسلامي، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي (3/140) الحديث 5080

([19]) يراجع: المصدر السابق الحديث 5081

([20]) يراجع: المصدر السابق 5082، وأخرجه الشافعي الحديث 324، والبيهقي في السنن (3/130)

([21]) يراجع: المصدر السابق 5083

([22]) يراجع: المصدر السابق 5084، 5085

([23]) يراجع: المصدر السابق 5086 وأخرجه البيهقي في السنن (3/130)

([24]) يراجع: المصدر السابق 5087 وأخرجه الشافعي في مسنده 324

([25]) يراجع: المصنف 5089

([26]) يراجع: المغني لابن قدامة، تحقيق د. التركي ود. الحلو ط. دار عالم الكتب بالرياض 1432ه (3/37)

([27]) يراجع: المصدر السابق نفسه

([28]) يراجع: المصدر السابق نفسه

([29]) يراجع: المغني لابن قدامة (3/37-38) وقال: في حق وقوفها في الوسط: (لا نعلم فيه خلافًا) ويراجع: المجموع للنووي (4/295)

([30]) يراجع المصادر والمراجع السابقة

([31]) يراجع: فتح القدير (1/253) وحاشية الدسوقي (1/236) ومواهب الجليل (2/412) والأم (1/435) والمجموع (4/151) والمحلى لابن حزم (4/141)

([32]) يراجع: المغني لابن قدامة (3/38) والمصادر السابقة

([33]) يراجع: المصادر السابقة

([34]) سورة الأحزاب / الآية 32

([35]) سورة المجادلة / الآية 1

([36]) يراجع: المجموع شرح المذهب (3/108)

([37]) يراجع: المصدر السابق

([38]) يراجع: السنن الكبرى للبيهقي (1/408، 3/131)، والذهبي في المهذب (1/404)، ورواه الحاكم في المستدرك (1/203-204) وعبدالرزاق في المصنف (3/126) وابن أبي شيبة في المصنف (1/223) قال النووي في المجموع ( إسناده صحيح) وقال مثله الزيلعي في نصب الراية (2/31)

([39]) سورة النساء/ الآية 1

([40]) يراجع بحثنا حول: المرأة والمشاركة السياسية والديمقراطية، دراسة في الفقه والفكر السياسي الإسلامي، وبحثنا: مبدأ التوازن في حقوق المرأة محققًا المساواة العادلة، المنشورة على موقعنا الشخصي على شبكة الانترنيت http://www.qaradaghi.com/default.aspx.

([41]) جزء من الحديث (إنما النساء شقائق الرجال) رواه أبو داود بسند حسن 236،239 والترمذي 113 والبزار في البحر الزخار (13/74) وقال ابن عبد البر في الاستذكار (1/337): (حديث مرفوع من رواية الآحاد العدول) وصححه ابن القطان في الوهم والايهام (5/271) ورواه أحمد في مسنده (27118، وحسنه ابن حجر العسقلاني في تخريج مشكاة المصابيح (1/233) وصححه السيوطي في الجامع الصغير الحديث 2545 والشوكاني في الفتح الرباني (10/4775) والألباني في السلسلة الصحيحة (5/219) وفي صحيح الجامع 1983

([42]) ويراجع: د. أحمد شلبي، مقارنة الأديان (1/301)

([43]) رواه البخاري في صحيحه الحديث رقم 900، ومسلم في صحيحه الحديث 442 وأبو داود 565-566 وابن حبان في صحيحه 2211، 2209، 2214، والطبراني في الأوسط (1/178)

([44]) يراجع المصادر السابقة

([45]) يراجع: شرح عمدة الأحكام (1/193)

([46]) رواه البخاري الحديث 738، 870

([47]) رواه البخاري الحديث 850

([48]) يراجع: فتح الباري (2/336)

([49]) يراجع صحيح البخاري

([50]) يراجع: سنن أبي دواد

([51]) صحيح ابن حبان

([52]) رواه أبو داود الحديث 571، 462، والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في تأريخ أصبهان (2/103) وصححه الألباني في صحيح أبي داود 571

([53]) رواه أحمد في مسنده 7351 وقل محققه شعيب: (إسنادوه صحيح على شرط مسلم) والبخاري في الأداب المفرد 148 والحميدي في مسنده 1019 وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (6/400): (إسناده صحيح على شرط مسلم)

([54]) سورة المؤمنون / الآية 1-2

([55]) يراجع: شرط صحيح مسلم (4/159)

([56]) سورة الأنفال / الآية 60

([57]) رواه أحمد (22137) والبيهقي (1059) والطبراني (8/285، 793) قال الألباني في صحيح الجامع 4220: (حديث صحيح)

([58]) يراجع: المجموع للنووي (4/151) والمغني: الطبعة المحققة (3/37-39) والتوضيح (1/338)

([59]) يراجع: الانصاف (2/263-264)

([60]) يراجع المبدع (2/72)

([61]) سورة المؤمنون / الآية 1-2

([62]) يراجع: بداية المجتهد (1/280)

([63]) رواه مسلم في صحيحه الحديث 1013

([64]) يراجع: شرح صحيح مسلم للنووي (4/195)

آخر الفتاوى