فتوى في أن البائع لا يتحمل غُرم المبيع وليس له غُنمه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

السؤال:

فضيلة الشيخ أ.د. علي محيى الدين القره داغي حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد

أعرض لحضرتكم موضوع بيع أرض تم بيني أنا الطرف الأول” البائع” إلى الطرف الثاني” المشتري “، واتفقنا على التسديد خلال ستة أشهر كما هو مذكور بالعقد، وبدأ المشتري بالتسديد ولكن سبحان الله لم يستطع الالتزام بمضمون العقد المبرم بيننا.

 ولقد ذهبت إلى الموصل وتكلمت مع شريكي حول ذلك، فوعدني خيرًا، ولكن للأسف استمر المشتري بالتأخر في السداد، فعدت مرة ثانية إلى الموصل – علمًا أنني مقيم في دولة الإمارات – في الشهر السادس أي بعد مضي ستة أشهر من تأريخ انتهاء العقد، وهذا ما لم يتفق مع العقد المبرم بيننا، فكلمت شريكي من أنه يجب أن نبيع الأرض، والحمد لله شريكي يملك مكتبًا عقاريًا، فقام ببيع الأرض بربح طيب، فذهبت إلى الموصل والتقيت بالمشتري المتأخر في السداد، وأعلمته بأننا قد قمنا ببيع الأرض لطرف آخر بسعر طيب، ونحن نعرف أنك تخلفت عن العقد المبرم بيننا، ولكن وفقنا الله وسخر لنا من يشتريها بربح طيب، وبناء عليه تدارسنا الأمر أنا وشريكي أن نعيد رأس المال إلى المشتري، ونقوم بتوزيع الربح على ثلاثة أشخاص (أنا، وشريكي، والمشتري)، لكن الذي حدث أن المشتري أصرّ على أخذ ربح على النقود التي قد دفعها، وهذا مخالف للاتفاق الذي بيننا، ونحن والله أعلم كنا حريصين على أن لا نختلف معه، وكان بإمكاننا أن نعيد له المبلغ الذي دفعه ولا يلزمنا بشيء.

بارك الله فيكم شيخنا، أفيدونا أفادكم الله

السائل ط.م.ح، وشريكه

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

وبعد التحية والدعاء الخالص

 فقد قرأت رسالتكم الكريمة، والعقد المرفق معها حيث يدل على حرصكم على الحلال والحرام ولذلك تسأل هذا السؤال، ثم قمت بالاتصال بالطرف الثاني” المشتري” الذي أكد أن العقد قد تم ولم يفسخ، كما أنني نظرت في العقد المرفق فهو عقد قائم لم يفسخ.

وفي هذا المقام أود أن أبيّن الحكم الشرعي في هذه المسألة، وهو:

أن عقد البيع إذا تم فإن الثمن يصبح دينًا في الذمة، وبالتالي فإذا تأخر المشتري من دفع بعضه أو حتى كله فإن بإمكان البائع المطالبة بكل الوسائل بالثمن حاله في ذلك حال الديون والقروض الموجودة في الذمة، ثم لا أحد يستطيع إلغاء هذا العقد إلاّ بتراضي الطرفين أو القضاء.

 وبالتالي فإن المشتري يتحمل تبعة الشيء المبيع (عقارًا أو غيره) وأنه وحده يتحمل الغرم (أي الخسارة لو تحققت)، كما أن له الغنم (الربح)، ومن هنا فليس لكم الحق شرعًا في المطالبة في جزء من الربح، وإلاّ فسيكون مطالبة بالفائدة (الربا) على الدين الثابت في ذمة المشتري، وكذلك لو خسر المشتري في هذه الصفقة كانت الخسارة عليه ولم يكن البائع (حضرتكم) تتحملون فلسًا واحدًا منها فالقاعدة الشرعية هي (الغُنم بالغُرم) والحديث النبوي الشريف (الخراج بالضمان) رواه أبو داود وغيره بسند صحيح.

وكان بإمكانكم الضغط على المشتري بالدفع أو فسخ العقد، وبما أن الفسخ لم يتحقق لا بالتراضي ولا بحكم المحكمة فإن العقد كان صحيحًا وظل صحيحًا وأن آثاره صحيحة وأن المشتري هو المالك للأرض، والبائع هو المالك للثمن فقط دون زيادة ولا نقصان.

ومن جانب آخر فإن المشتري قد دفع المبلغ كله وإن كان قد تأخر، وأنتم استلمتم المبالغ، فكيف يكون لكم الحق شرعًا في المشاركة في الربح، وهل لو خسر كنتم تشاركونه في الخسارة.

هذا هو الحكم الشرعي لهذه المسألة باتفاق الفقهاء حسب علمي والله أعلم

بارك الله في أموالكم وحفظكم من كل سوء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 أخوكم

 أ.د. علي محيي الدين القره داغي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث

آخر الفتاوى