فتوى حول حكم رفع أجهزة الإنعاش، والموت السريري، وأحكام الانتفاع بأعضاء الإنسان

فقد وردنا السؤال الآتي حول حكم رفع أجهزة الإنعاش، والموت السريري، وأحكام الانتفاع بأعضاء الإنسان، ونصه: (يا مولاي السيدي، عندي سؤال عاجل ألا وهو سؤال يتعلق بالطب، وأن واحدة من أولادي طبيبة، وكان عندهم محاضرة للأطباء، ويسألون عن المريض الذي يحكم بأن حياته منتهي وهو يعيش بالجهاز والمكائن فاذا سحب الجهاز – وهو يموت – لا يمكن أن يعيش بعد هذا، فهل يجوز أن يسحب منه الجهاز ويترك ميتًا؟

ثانيًا – هل يجوز نقل أعضاء الأموات إلى الأصحاء؟

ونطلب من معاليكم أن تجيبنا رسميًّا حتى نترجم وننشر الفتوى إن شاء الله. ودمتم سالمين في حماية رب العالمين، ذخرًا للإسلام).

الجواب:

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

أولاً – إن العلاقة بين الفقه والطب علاقة وثيقة في مجالات متعددة، نذكر أهمها بإيجاز شديد، وهي:

أ- أن جميع مسائل الطب تخضع في الإسلام لأحكام الشريعة من حيث الحل والحرمة، ومن حيث الالتزام بالأخلاق والآداب المطلوبة.

فالطبيب المسلم يحتاج إلى الفقه الإسلامي ليعرف ما يجوز ولا يجوز من الممارسات الطبية من حيث العلاج والتداوي، والعمليات التجميلية والجراحية، ونقل الأعضاء وغير ذلك، كما أنه يحتاج إلى الفقه الإسلامي لمعرفة آداب الطبيب وضوابطه الشرعية، ومدى مسؤوليته عن النتائج المترتبة على تصرفاته.

وكذلك يحتاج المريض إلى الفقه الإسلامي لمعرفة أحكام المريض في طهارته وعباداته وتصرفاته، وبالأخص في حالة مرض الموت، حيث لا يجوز أن يتبرع بأكثر من ثلث ماله.

ب- يحتاج الفقه الإسلامي إلى الطب للوصول إلى الحكم الشرعي لجميع المسائل الطبية، لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره، فالفقيه لا يمكنه الحكم على كون هذا التصرف، أو الشيء في عالم الطب حلالاً أو حرامًا، أو واجبًا، أو مندوبًا، أو مكروهًا، أو مباحًا، أو صحيحًا، أو باطلاً… إلاّ من خلال معرفته بما لدى الأطباء وما يعرفه من خلال دراسته للموضوعات الطبية الخاصة بالموضوع، فالعلم به ـ وإن كان إجماليًا ـ شرط لصحة اجتهاد الفقيه، وضرورة لمعرفة الحكم الشرعي.

 وان أي اجتهاد، أو فتوى لا ينبع عن علم كامل، وفهم دقيق وإدراك عميق ومعرفة شاملة تامة بالموضوع يعتبر اجتهادًا باطلاً، وفتوى غير مقبولة شرعًا، وأن صاحبه يكون آثمًا إذا اجتهد بدون هذا العلم، فيحتاج الفقيه إلى الطب في كثير من مسائله، منها معرفة كون الشيء ضارًا أو خبيثًا حتى يحكم عليه في الفقه بالحرمة إذا كان الضرر كبيرًا، وبالكراهة إذا كان قليلاً، وغير ذلك كثير، ولذلك لأن فقهاءنا السابقون بعض علماء عصرهم في عدم عنايتهم بالطب الذي هو فرض كفاية ـ كما سبق ـ.

ج- إن المستجدات الطبية يحتاج حلها من الناحية الشرعية إلى تعاون الفقهاء مع الأطباء، فالأطباء يكشفون عن حقائقها وتفاصيلها، والشرعيون يصدرون عن فهم ورؤية أحكامها، وبذلك يتحقق التكامل والدقة، والضبط.

ثانيًا – حكم رفع أجهزة الإنعاش، والموت السريري (نهاية الحياة):

 إذا كانت بداية الحياة الطبيعية تتحقق بالحياة الموجودة في النطفة الأمشاج (البويضة الملقحة بالحيوان المنوي) داخل الرحم، وأن الروح الخاصة بالإنسان (التي هي نفخة من روح الله) تبدأ بعد 42 يومًا أو 120 يومًا.

فإن نهاية الحياة تنتهي بنزع الروح، ولكن الروح أمر غيبي لا يعلم كنهها إلاّ الله تعالى، لذلك يكون الاعتماد على المظاهر التي تدل على انتهاء الحياة الطبيعية في الإنسان.

وهذه المظاهر مثل توقف القلب عن النبض، والرئة عن التنفس، والمخ عن النشاط، فإذا اجتمعت هذه الأمور فإن الحياة قد انتهت بالإجماع، ولكن الخلاف فيما إذا تحقق بعضها دون بعض، وهذا مبني على أن الحركة وحدها ليست دليلاً على الحياة كما هو الحال في حركات المذبوح، ومن البدهي أن تحديد كون الشخص حيًا أو ميتًا يتعلق بكل حالة جملة من الأحكام من أهمها إذا كان ميتًا جواز رفع أجهزة الإنعاش، والانتفاع بأعضائه إن كان قد وصى، أو أذن به وليه.

لذلك يعتبر من الواجبات الأساسية عدم التسرع في إعلان الوفاة، حيث وقعت أخطاء كثيرة على مرّ التأريخ، حتى بين الأطباء الذين حكموا بموت شخص ما بسبب توقف القلب عن النبض وتوقف الدم عن الدوران، فإذا يفاجأ به (وهو عندما يغسل، أو يراد دفنه) يصحو فيرى مشيعيه يريدون دفنه وهو حي، ناهيك عمن يصحو داخل القبر دون مغيث، يقول الأستاذ الدكتور محمد علي البار: (ففي بريطانيا يتوفى كل عام نصف مليون…ويحكم الأطباء بموتهم نتيجة توقف القلب والدورة الدموية نهائيًا عن الحركة، ورغم التقدم الطبي الهائل فإن هناك ما يقرب من أربعة آلاف شخص لا يدخلون في هذا التعريف كل عام)[1].

وبالمقابل فإنه قد يتوقف قلب الشخص أو تنفسه بسبب إصابة الدماغ الذي به مركز التنفس، أو يتوقف القلب والتنفس معًا نتيجة لأي إصابة أخرى مثل الغرق أو الخنق، أو اضطراب في كهرباء القلب او غيرها، وفي هذه الحالات فإن وسائل الإنعاش الحديثة كالمنفسة (Ventilator) وجهاز إيقاف ذبذبات القلب (Defibrillator) إذا استخدمت بمهارة قد تؤدي إلى إنعاش الشخص واعادة التنفس ونبض القلب إذا أراد الله ذلك، وفي هذه الحالة يحدث أحد الأمور الآتية:

1ـ عودة الشخص إلى التنفس الطبيعي بدون الآلة، وعودة القلب إلى النبض، حيث يعتبر الشخص حيًا، حتى ولو استمرت الغيبوبة عدة أعوام.

2ـ توقف القلب نهائيًا على الرغم من وجود المنفسة، ففي هذه الحالة يعتبر الشخص ميتًا بلا جدال.

3ـ عدم إمكان إيقاف المنفسة إلاّ لدقائق، حيث يتبين أن التنفس لا يزال يعتمد عليها وأن الشخص لا يزال فاقدًا للوعي بصورة كاملة، ولكن القلب ينبض بالمنفسة.

ففي هذه الحالة خلاف، وهي الحالة المعقدة التي تحتاج إلى مواصفات أخرى، والتي يقع فيها أخطاء حتى على مستوى الأطباء حتى في أكثر الدول تقدمًا في الطب مثل بريطانيا حيث قدم التلفزيون البريطاني BBC في برنامج بانوراما موضوع موت الدماغ في 13/10/1980 حلقة مثيرة تحدثت فيها فتاة أنها أغمى وتوقف تنفسها، ووضعت تحت أجهزة الإنعاش المعقدة، ثم أعلن الأطباء أن دماغها قد مات، وأن تنفسها قد توقف، وأن تخطيط المخ الكهربائي لا يشير إلى وجود أي ذبذبات كهربائية أو موجات آتية من دماغها، ولذلك أعلنوا موتها، ولكن أهلها رفضوا هذا التقرير، فجاءت مجموعة من الأطباء وواصلوا استخدام أجهزة الإنعاش… فتنفست الفتاة طبيعيًا، ثم أفاقت من غيبوبتها، ثم ذهبت إلى محطة التلفاز لتروي قصتها هذه، وأنها كانت تسمع الأطباء وهم يتجادلون، ثم تسمعهم وهم يقررون وفاتها، وهي في غيبوبتها العميقة… وذكر البرنامج عدة حالات متشابهة[2].

ولخطورة هذا الموضوع أولت الحكومات الغربية عنايتها به فشكلت لجنة آدهوك (Adhoc) من جامعة هارفارد عام 1968 لتحديد معالم موت الدماغ، وفي بريطانيا اجتمعت لجنة مكونة من الكليات الملكية للأطباء فأصدرت تعريفاتها لموت الدماغ عام 1976، وعام 1979، وفي امريكا أصدر الرئيس ريجان في عام 1981 أمره بتكوين لجنة من كبار الأطباء والقانونيين وعلماء الدين لدراسة موضوع موت الدماغ، فأصدرت قرارها عن موت الدماغ في يوليه 1981، ووافقت 25 ولاية على الاعتراف بموت الدماغ ثم وصلت إلى 33 ولاية في عام 1982 [3]، وظلت ولايات أخرى لم تعترف به حتى يعتبر الشخص ميتًا حسب قانون ولاية وحيًا حسب قانون ولاية أخرى.

يقول الدكتور حسان حتحوت: (إن العلم الطبي قد اهتدى إلى أن العبرة في الموت ليست أساسًا بتوقف القلب والتنفس….، ولكنها تتوقف أولاً وأخيرًا على موت المخ الذي يستبين بتوقف النشاط الكهربائي للمخ تمامًا وهو ما يمكن قياسه بجهاز خاص، فإذا غاضت كهرباء المخ تمامًا، فهو مخ ميت ويكون باقي الجسم قد دخل في نطاق الموت إلى مرحلة اللا عودة، ومهما احتفظ الإنعاش الصناعي بالتنفس ودورة الدم فمحال أن يعود المريض إلى الحياة أبدًا)[4].

ويترتب على ذلك أن الإصرار على الاستمرار في الإنعاش الصناعي ـ ما لم يكن موقتًا وهادفًا إلى استخلاص لعضو لزرعه في مريض ـ يعتبر إطالة لعملية الموت وليس حفاظًا على الحياة، بل هو إرهاق لأعصاب الأهل من غير طائل، وإسراف دون جدوى، وحرمان لمريض آخر من استعمال ذلك، ولا سيما ان وسائل الإنعاش الصناعي باهظة التكاليف شحيحة التعداد[5].

إن عملية الموت تمر بمستويات متسلسلة متعددة، فعند توقف القلب عن العمل نهائيًا لأي سبب من الأسباب (وهو الغالب) فيتبعه فورًا فقدان الوعي وتوقف التنفس، وهما وظيفتان من وظائف المخ الذي لا يتحمل توقف دورته الدموية إلاّ لثوانٍ معدودة، ولو أن خلاياه تظل حية لبضع دقائق إلاّ انها تتوقف في أثنائها عن العمل، ويستتبع توقف الدورة الدموية ذلك حرمان جميع أعضاء وأنسجة الجسم من الغذاء اللازم لها لتوليد الطاقة وتشغيل الخلايا، وبناءً على هذه التغيرات الكيمياوية تموت الخلايا والأعضاء المكونة لجسم الإنسان خلال فترات تتفاوت فيها تلك الأعضاء والخلايا والعضلات والعظام والجلود[6].

والإشكالية – إذن تكمن عندما تتدخل وسائل الإنعاش الصناعي، حيث يمكنها تشغيل القلب والتنفس مع ان قشرة المخ قد تلفت جزئيًا او كليًا على حين تستمر أجزاء المخ الأخرى ومنها جذع المخ في العمل، وهذا التلف قد يكون نتيجة هبوط شديد في ضغط الدم لفترة طويلة أو إصابة شديد ولكن غير مميتة للمخ، وحينئذٍ يصبح الشخص فاقد الوعي بالكامل لكنه يتنفس تنفسًا اصطناعيًا ويتغذى عن طريق أنبوب إلى المعدة بغذاء شبه سائل بنسب متوازنة وعناية مستمرة بالجلد، وتقليب الجسد، أو تغيير أوضاعه كل ساعتين تقريبًا، وبتصريف البول والبزار، وقد يستمر على هذه الحالة سنوات عديدة[7].

علامات وفاة المخ:

فقد اتفقت معظم الدول المتقدمة على علامات لموت المخ، منها:

1- فقد الحس والحركة، والغيبوبة العميقة بحيث لا يستجيب المريض للتنبيه بالألم على أي صورة من الصور.

2- فشل التنفس التلقائي نهائيًا وبختبر ذلك بفصل المريض عن جهاز التنفس الصناعي لمدة دقيقتين وملاحظة أي محاولة ذاتية للتنفس.

3- اتساع حدقتي العينين وعدم استجابتهما للضوء.

4- اختفاء الموجات الكهربائية الصادرة عن المخ في تخطيط المخ.

5- هبوط الوظائف الحيوية للمخ وجذعه، وهذه يمكن الكشف عليها بأجهزة حديثة.

6- توقف الدورة الدموية للمخ، وهذه يمكن قياسها بطرق مباشرة أو غير مباشرة[8].

التوصيات والقرارات الجماعية حول الحياة الإنسانية:

وقد أقيمت ندوة كاملة للحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي، في 24 – 26 /4/1405هـ الموافق 15 – 17/12/1985م حضرها عدد كبير من الأطباء والمتخصصين في الفقه انتهت إلى ما يأتي:

(أولاً: بداية الحياة:

 بداية الحياة تكون منذ التحام حيوان منوي ببويضة ليكونا البويضة الملقحة التي تحتوي الحقيبة الوراثية الكاملة للجنس البشري عامة وللكائن الفرد بذاته المتميز عن كل كائن آخر ـ على مدى الأزمنة ـ وتشرع في الانقسام لتعطي الجنين النامي المتطور المتجه خلال مراحل الحمل إلى الميلاد.

ثانيًا: منذ يستقر الحمل في بدن المرأة فله احترام متفق عليه ويترتب عليه أحكام شرعية معلومة.

ثالثًا: إذا بلغ الجنين مرحلة نفخ الروح (على خلاف في توقيته فإما مائة وعشرون يوماُ وإما أربعون يومًا) تعاظمت حرمته باتفاق وترتبت على ذك أحكام شرعية أخرى.

رابعًا: من أهم تلك الأحكام أحكام الإجهاض التي وردت في الفقرة السابعة من توصيات (ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام).

ثانيًا: نهاية الحياة:

أولاً: رأت الندوة أنه في أكثر الأحوال عندما يقع الموت فلا تقوم صعوبة في معرفته استنادًا إلى ما تعارف عليه الناس من أمارات، او اعتمادًا على الكشف الطبي الظاهري الذي يستبين غياب العلامات التي تميز الحي من الميت.

ثانيًا: تبين للندوة ان هناك حالات قليلة العدد، وهي عادة تكون تحت ملاحظة طبية شاملة ودقيقة في المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة ووحدات العناية المركزة، تكسب أهميتها الخاصة من وجود الحاجة الماسة إلى تشخيص الوفاة فيها، ولو بقيت في الجسم علامات تعارف الناس من قديم على أنها من علامات الحياة، سواء أكانت هذه العلامات تلقائية في بعض اجزاء الجسم أم كانت أثرًا من آثار أجهزة الإنعاش الموصولة بالجسم.

ثالثًا: وقد تدارست الندوة ما ورد في كتب التراث الفقهي من الأمارات التي تدل على الموت واتضح لها أنه في غيبة نص شرعي يحدد الموت تمثل هذه الاجتهادات ما توفر آنذاك من معرفة طبية، ونظرًا لأن تشخيص الموت والعلامات الدالة عليه كان على الدوام أمرًا طبيًا يبني بمقتضاه الفقهاء أحكامهم الشرعية، فقد عرض الأطباء في الندوة الراي الطبي المعاصر فيما يختص بحدوث الموت.

رابعًا: وضح للندوة بعد ما عرضه الأطباء أن المعتمد عليه عندهم في تشخيص موت الإنسان، هو خمود منطقة المخ المنوطة بها الوظائف الحياتية الأساسية، وهو ما يعبر عنه بموت جذع المخ.

إن تشخيص موت جذع المخ له شروطه الواضحة بعد استبعاد حالات بعينها قد تكون فيها شبهة، وإن وسع الأطباء إصدار تشخيص مستقر يطمأن إليه بموت جذع المخ.

إن أيًا من الأعضاء أو الوظائف الرئيسية الأخرى كالقلب والتنفس قد يتوقف مؤقتًا، ولكن يمكن إسعافه واستنقاذ عدد من المرضى ما دام جذع المخ حيًا… أما إن كان جذع المخ قد مات فلا أمل في إنقاذه وإنما يكون المريض قد انتهت حياته، ولو ظلت في اجهزة أخرى من الجسم بقية من حركة أو وظيفة هي بلا شك بعد موت جذع المخ صائرة إلى توقف وخمود تام.

خامسًا: اتجه رأي الفقهاء تأسيسًا على هذا العرض من الأطباء إلى أن الإنسان الذي يصل إلى مرحلة مستيقنة هي موت جذع المخ يعتبر قد استدبر الحياة، وأصبح صالحًا لأن تجري عليه بعض أحكام الموت، قياسًا ـ مع فارق معروف ـ على ما ورد في الفقه خاصًا بالمصاب الذي وصل إلى حركة المذبوح.

أما تطبيق بقية أحكام الموت عليه فقد اتجه الفقهاء الحاضرون إلى تأجيله حتى تتوقف الأجهزة الرئيسية.

وتوصي الندوة بأن تجري دراسة تفصيلية أخرى لتحديد ما يعجل وما يؤجل من الأحكام.

سادسًا: بناء على ما تقدم اتفق الرأي على أنه إذا تحقق موت جذع المخ بتقرير لجنة طبية مختصة جاز حينئذٍ إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعية)[9].

ثم نوقشت هذه المسألة في مجمع الفقه الإسلامي الدولي مناقشات مستفيضة انتهت إلى القرار رقم 17(5/3) الذي ينص على ما يأتي: (إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دروة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من8-13صفر1407هـ الموافق 11-16 تشرين الأول (اكتوبر) 1986م، بعد تداوله في سائر النواحي التي أثيرت حول موضوع أجهزة الإنعاش واستماعه إلى شرح مستفيض من الأطباء المختصين، قرر ما يلي:

 يعتبر شرعًا أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعًا للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:

1-إذا توقف قلبه وتنفسه توقفًا تامًا وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.

2-إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائيًا، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل.

وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص وإن كان بعض الأعضاء، كالقلب مثلاً، لا يزال يعمل آليًا بفعل الأجهزة المركبة… والله أعلم)[10].

ثالثًا – أحكام الانتفاع بأعضاء الإنسان:

هذا العنوان يشمل مجموعة من المسائل وهي: التصرف في الأعضاء بالهبة والتبرع أو البيع والمبادلة، ونقل الأعضاء، وزراعة خلايا المخ والجهاز العصبي، وزراعة الأعضاء التناسلية وزراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص، ونحو ذلك، ونحن نذكر هذه المسائل بإيجاز معتمدين بقدر الإمكان على الفتاوى والقرارات الجماعية الصادرة من الندوات والمجامع الفقهية.

وهذه المسألة تستوجب:

أولاً: بيان مصدر العضو المنقول:

  1. هل هو من حيوان (حيًا أو ميتًا، طاهرًا أو نجسًا).
  2. أو من إنسان حي تبرع به
  3. أو من إنسان ميت (بوصية أو بدون وصية).
  4. أو من الإنسان نفسه.

ثانيًا: البحث عن الدواعي لهذا الأخذ والنقل والزرع، وهي إما الضرورة، كما في حالة الخوف من موت الشخص المنقول إليه وتلف عضو منه، أو الحاجة، إذا كان الأمر أقل من ذلك، وقدر ذكرنا أن الحاجيات في التداوي تنزل منزلة الضرورة.

ثالثًا: نوعية هذا العضو، هل هو ثنائي؟ أو تناسلي؟ أو غير ذلك؟

 إذن علينا أن نبحث عنها من خلال التركيز على مصدر العضو المنقول، حيث نتناول من خلاله نوعية العضو هل ثنائي أو غيره، وفيه أربعة فروع:

الفرع الأول: أن يكون مصدر العضو المنقول حيوانًا:

 وقد تطرق فقهاؤنا القدامى إلى هذا الموضوع في عدة مسائل منها ما يخص موضوعنا، حيث قالوا: إن كان الحيوان طاهرًا مثل الأنعام فهذا لا حرج في غرس أعضائه في جسم الإنسان، وإن كان نجسًا ففيه خلاف، حيث أجازه بعضهم عند الحاجة مثل الشافعية بل إن الحنفية أجازوا الانتفاع في التداوي بجميع الحيوانات ما سوى الخنزير على تفصيل[11] .

 فعلى ضوء ذلك فإن زرع أعضاء الحيوان (وبالأخص الحيوان الطاهر) جائز، وذلك لعموم الأدلة الدالة على مشروعية التداوي دون تخصيص مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تداووا….) وأحاديث أخرى سبق ذكرها، إضافة إلى أن التداوي بأعضاء الحيوان يعتبر كالتداوي بسائر المباحات[12].

 وأما الحيوان غير ظاهر فيجوز استعمال أعضائه إذا دعت إلى ذلك ضرورة، أو حاجة، ما عدا الخنزير الذي لا يجوز نقل أعضائه إلى الإنسان إلاّ للضرورة.

الفرع الثاني: نقل العضو من الإنسان نفسه إليه:

 إذا كان نقل العضو ضروريًا مثل نقل الشريان العادي لعلاج شريان القلب أو الأوردة في حالات جراحات القلب والأوعية الدموية فإن ذلك جائز لتوقف حياته على ذلك.

وكذلك الحكم إذا كان النقل محتاجًا إليه وان لم يصل إلى درجة الضرورة الأصولية مثل نقل الجلد السليم المناسب من مكان إلى مكان آخر في حالة الحرق.

وهذه المسألة تدخل فيما ذكره فقهاؤنا القدامى من جواز قطع العضو وبتره لإنقاذ النفس، ودفع الضرر عنها عند غلبة الظن بذلك فيكون نقل العضو لأجل انقاذ النفس بطريق أولى[13].

الفرع الثالث: نقل العضو من إنسان حيّ إلى مثله:

ولهذه المسألة ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يكون العضو المراد نقله من إنسان حي إلى آخر من الأعضاء الفردية مثل القلب، والكبد، والدماغ، ونحوها، فهذا لا يجوز لأنه يؤدي إلى هلاك محقق للإنسان المنقول منه، وليس أحدهما أولى بالحياة في نظر الشرع من الآخر، إضافة إلى أن الهلاك للمنقول منه محقق، وثبوت الحياة للمنقول إليه مظنون، فلا يقدم المظنون على المتيقن.

 وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على حرمة الغاء النفس في التهلكة، منها قوله تعالى: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ)[14] وهذه الآية الكريمة وإن كانت قد فسرت بترك النفقة في سبيل الله، لكنها تشمل عند المفسرين: عدم الأخذ بالأسباب.

 ومنها قوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[15] حيث تدل على حرمة قتل نفسه، وغيره[16]، حيث استدل عمرو بن العاص (حينا احتلم في ليلة باردة شديدة البرد، فصلى بأصحابه وهو جنب) استدل أمام الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فذكرت قوله الله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ….) فتيممت ثم صليت، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا)[17] وقدر أورد ابن مردويه عند هذه الآية الكريمة مجموعة من الأحاديث التي تدل على شدة حرمة الانتحار[18].

وعلى ضوء ذلك فإنه كذلك يحرم على الطبيب القيام بأي عملية لنقل عضو فردي لأي شخص، وتطبق عليه أحكام القتل العمد أو الخطأ أو شبه الخطأ على تفصيل ليس هذا محل بحثه.

الحالة الثانية: أن يكون العضو ثنائيًا كالعينين والكليتين والخصيتين ونحوها.

وهذا النوع يختلف حكمه الشرعي حسب التفصيل الآتي:

أ – أن يكون الشخص نفسه محتاجًا إلى العضوين مثل العينين، والشفتين، والأذنين ونحوها، حيث يكون الإنسان بفقد واحدة منهما ناقصًا، وحينئذٍ لا يجوز التبرع به مطلقًا ولا سيما أن الشخص الاخر لا تتوقف حياته على نقل مثل هذه الأعضاء فلم تتحقق ضرورة داعية إلى ذلك، والأصل هو حرمة النقل.

ب – أن تكتفي حاجة الشخص المنقول منه بواحدة منهما مثل الكليتين، حيث خلقهما الله تعالى على شكل يؤدي كل واحدة منهما دورًا كاملاً دون نقصان، بل إن ربع طاقة كلية واحدة يغطي حاجة الشخص نفسه ـ كما يقول الخبراء ـ ففي هذه الحالة يجوز التبرع بواحدة منهما لإنقاذ شخص آخر، وذلك لأن حياة الشخص المنقول منه لا تتأثر بهذا التبرع، وأن حياة الشخص المنقول إليه تتوقف على ذلك فأصبحت ضرورة تدعو لإجازة ذلك، وهذا اختلاف بين المعاصرين، ولكن مجامع الفقه أجازت ذلك – كما سيأتي-.

ج – أن يكون العضو من الأعضاء التناسلية التي تنقل الصفات الوراثية مثل الخصيتين والمبيض، فهذا غير جائز نقله بالاتفاق وكذلك العورات المغلظة ـ كما ورد فيه قرار رقم 57(8/6) من مجمع الفقه الإسلامي الدولي.

الحالة الثالثة: أن يكون العضو مما يمكن تعويضه خلال فترة دون أن يترك آثارًا سلبية على صاحبه، وذلك مثل الدم، والجلد، حيث يجوز أخذهما بالاتفاق بين المعاصرين بشرط أخذ الاذن من صاحبه، أو التبرع به أساسًا.

الفرع الرابع: نقل عضو من الميت تمامًا أو من الميت موتًا دماغيًا، وقد سبق الكلام في الموت الدماغي وتوصل مجمع الفقه الإسلامي الدولي ـ كما سبق ـ إلى أنه موت حقيقي، وبالتالي فينطبق على من مات دماغه أنه ميت، وحينئذٍ هل يجوز أخذ أجزائه الصالحة لزرعها في إنسان آخر محتاج إليه، أو مضطر تتوقف حياته عليه مثل حالات الكلية، والقلب ونحوها؟

وقبل أن أرد على هذا السؤال نذكر الأعضاء الممكنة نقلها وغرسها حسب الطب الحديث إلى اليوم، وهي:

  1. القلب حيث نجحت العلميات منذ عام 1986
  2. الكبد والبنكرياس لمرضى السكر
  3. القرنية، والكلية، ونخاع العظام والأعضاء المزدوجة كالأذن.
  4. زرع الجلد لأغراض عمليات التقويم أو التجميل ونحوهما.

 وهناك أعضاء أخرى لم يستطع الطب الحديث زرعها إلى الآن، وهي العمود الفقري، والمخ، والمثانة، والمعدة، والرحم[19].

ومسألة نقل الأعضاء بصورة مطلقة (أي من حي أو ميت) مختلف فيها بين المعاصرين، فقد عارضها فضيلة الشيخ الشعراوي بقوة[20] والشيخ مصطفى مكي[21]، حيث ذكروا أنه لا يجوز الوصية أو التبرع أو الهبة أو أي تصرف آخر في الأعضاء لأنها ملك لخالقها، ولا يملكها صاحبها.

ويمكن الرد على ذلك بأن خلق الله تعالى الذي لا يملكه الإنسان هو ورحه، أما أعضاء الإنسان فله الحق في التصرف فيها حسب ضوابط الشرع إذ لم يرد دليل من كتاب أو سنة بحرمة ذلك فيبقى على أصل الإباحة حيث لا ضرر ولا ضرار[22].

وأقوى أدلتهم في منع الاستفادة من أعضاء الإنسان الميت هو كرامة الإنسان حيًا وميتًا، حيث تدل الأدلة من الكتاب والسنة على حرمة الميت وأنه لا يجوز الاعتداء عليه ولا مسه بسوء، وأن أخذ أعضاء منه اعتداء عليه ومثلة له، وكيف والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة حتى بالمقتولين الأعداء في ساحات الوغى حيث روى البخاري وغيرهم بسندهم أن: (النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة) بعد ذلك ـ أي بعد وقعة عكل وعرينة ـ كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة)[23] وروى مسلم بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (… لا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا)[24].

 ووردت كذلك بعض أحاديث في عدم جواز كسر عظم الميت أو أذاه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كسر عظم الميت ككسر عظم الحيّ)[25] وفي رواية ابن ماجه زيادة (في الاثم).

ويمكن الاجابة عن هذه الأحاديث بأنها محمولة على حالة القصد والاهانة والمثلة، أما إذا كان الشخص قد أذن في حياته لأجل انقاذ شخص، ثم يؤخذ منه هذا العضو بكل احترام ودون إهانة فلا يدخل في النهي، إضافة إلى أن الضرورات تبيح المحظورات.

وهناك اعتراض آخر وهو أن ما يقطع من الحي فهو بمثابة الميت، حيث ورد بذلك حديث: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة)[26].

والجواب عن ذلك ان الإنسان لا ينجس بالموت، وهو الراجح الذي تدل عليه الأدلة المعتبرة مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم لا ينجس)[27]، ولو سلم بذلك فإن الضرورة تدعو إلى ذلك كما سبق.

والخلاصة: أن الذي يظهر لنا رجحانه هو أن الأصل في الانتفاع بأعضاء الإنسان حيًا أو ميتًا هو الحظر والمنع حماية للإنسان وصونًا لكرامته وحفظًا له مما يؤدي إلى المثلة، والتصرف في أعضائه كقطع الغيار، ولكن إذا دعت الضرورة، أو الحاجة إلى ذلك فإن نقل الأعضاء جائز إذا لم يترتب على نقلها ضرر بالمنقول منه إذا كان حيًا، أو أن يتم ذلك بناءً على وصيته، أو موافقة أهله إن كان ميتًا، وأن لا يكون ذلك العضو من الأعضاء التناسلية أو العورات المغلظة ـ كما سبق وأن يتم ذلك عن طريق التبرع وليس عن طريق البيع.

هذا وقد صدرت مجموعة من الفتاوى من دار الإفتاء المصرية حيث كانت أول فتوى ـ حسب علمناـ هي فتوى الشيخ محمد حسنين مخلوف مفتي مصر عام 1952 بجواز غرس قرنية العين من شخص ميت آخر، ثم فتوى الشيخ مأمون في عام 1959 حول نفس الموضوع، ثم فتوى الشيخ هريدي في عام 1966م بجواز غرس الأعضاء، ثم فتوى الشيخ خاطر في عام 1973م بجواز غرس الأعضاء، ثم فتوى الشيخ جاد الحق في عام 1979 بجواز التبرع بالأعضاء من الأحياء والأموات[28].

كما صدرت بذلك فتوى بجواز غرس الأعضاء من المجلس الجزائري الأعلى للفتوى عام 1972، ومن المجلس الأردني الأعلى للفتوى عام 1977، ومن هيئة كبار العلماء بالسعودية عام 1978 بشأن غرس قرنية العين، وبغرس الأعضاء عام 1982، ومن لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية عام 1980.

ثم قامت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بندوة فقهية طبية حول زراعة الأعضاء انتهت إلى التوصيات الآتية، وهي: (بتوفيق الله وعنايته عقدت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بدولة الكويت بالاشتراك مع مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة ـ الندوة الفقهية الطبية السادسة من سلسلة ندواتها حول (الإسلام والمشكلات الطبية المعاصرة) في الفترة ما بين 23-26 ربيع الأول 1410هـ والتي توافقها الفترة 23-26 اكتوبر 1989م وكان عنوان الندوة (زراعة الأعضاء).

وخصصت هذه الندوة لمواضيع: زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي ومدى الاستفادة من المولود اللا دماغي والأجنة المجهضة ـ ونقل بعض الأجهزة التناسلية، وتتميز هذه الندوة بأنها تأتي ثمرة يانعة للتعاون بين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية والمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي وفقًا لميثاق التعاون الموقع منهما… ودعي إلى الندوة حشد كريم من الفقهاء، والعلماء، والأطباء، وقدمت أبحاث طبية وفقهية في موضوعات الندوة. وقد توصلت الندوة للتوصيات الآتية:

زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي:

عرضت الندوة لموضوع زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي (ولا يقصد بذلك نقل مخ إنسان لإنسان آخر) والغرض من هذه الزراعة إما لعلاج قصور خلايا معينة في المخ عن إفراز مادتها الكيميائية أو الهرمونية بالقدر السوي فيستكمل هذا النقص بأن تودع في موطنها من المخ خلايا مثيلة من مصدر آخر أو لعبور فجوة في الجهاز العصبي نتيجة بعض الإصابات كما يستبدل بقطعة سلك تالف قطعة صالحة…

المصدر الأول للحصول على الأنسجة هو الغدة الكظرية للمريض نفسه وترى الندوة أنه ليس في ذلك من بأس شرعًا وفيه ميزة القبول المناعي، لأن الخلايا من الجسم نفسه.

والمصدر الثاني هو الحصول على الأنسجة من خلايا حية من مخ جنين باكر (في الأسبوع العاشر أو الحادي عشر).

وهناك طرق للحصول على هذه الخلايا:

الطريقة الأولى:

أخذها من جنين حيواني وقد نجحت هذه الطريقة بين فصائل مختلفة من الحيوان ومن المأمول نجاحها باتخاذ الاحتياطات الطبية اللازمة لتفادي الرفض المناعي ـ وترى الندوة أنه لا مانع شرعًا من هذه الطريقة ان أمكن نجاحها.

الطريقة الثانية:أخذها من الجنين الإنساني في بطن أمه بفتح الرحم جراحيًا…. وتستتبع هذه الطريقة إماتة الجنين بمجرد أخذ الخلايا من مخه، وترى الندوة حرمة ذلك شرعًا إلاّ إذا كان بعد إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم، وبالشروط التي ترد في موضوع الاستفادة من الأجنة.

الطريقة الثالثة: وهي طريقة قد يحملها المستقبل القريب في طياته باستزراع خلايا المخ في مزارع أجيالاً بعد أجيال للإفادة منها، وترى الندوة أنه لا بأس في ذلك شرعًا إذا كان المصدر للخلايا المستزرعة مشروعًا…

المولود اللا دماغي: طالما بقي حيا بحياة جذع مخه لا يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه إلى أن يتحقق موته بموت جذع دماغه، ولا فرق بينه وبين غيره من الأسوياء في هذا الموضوع، فإذا مات فإن الأخذ من أعضائه تراعى فيه الأحكام والشروط المعتبرة في نقل أعضاء الموتى من الاذن المعتبر وعدم وجود البديل وتحقق الضرورة، وغيرها مما تضمنه القرار رقم (1) من قرارات مجمع الفقع الإسلامي في دورته الرابعة والذي جاء فيه: أولاً: يجوز نقل العضو من مكان جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه مع مراعة التأكد من ان النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليهما وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًا أو عضويًا.

ثانيًا: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر إن كان هذا العضو يتجدد تلقائيًا، كالدم والجلد ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.

ثالثًا: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.

رابعًا: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر.

خامسًا: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها كنقل قرنية العينين كلتيهما، أما ان كان النقل يعطل جزءًا من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة.

سادسًا: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك بشرط أن يأذن الميت او ورثته بعد موته أو بشرط موافقة ولي المسلمين ان كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.

سابعًا: وينبغي ملاحظة أن الاتفاق على نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بوساطة بيع العضو، إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما، أما بذل المال من المستفيد ـ ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريمًا، فمحل اجتهاد ونظر.

ثامنًا: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة، مما يدخل في أصل الموضوع فهو محل بحث ونظر ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية.

ولا ترى الندوة ما يمنع من ابقاء هذا المولود اللا دماغي على أجهزة الإنعاش إلى ما بعد موت جذع المخ (والذي يمكن تشخيصه) للمحافظة على حيوية الأعضاء الصالحة للنقل توطئة للاستفادة منها بنقلها إلى غيره بالشروط المذكورة أعلاه…

هذا والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 كتبه الفقير إلى ربّه

 أ.د. علي محيي الدين القره داغي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الدوحة في 30 ربيع الآخر 1442هـ الموافق 15 ديسمبر 2020


([1]) بحثه المنشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ع2 ج 1 ص 432، ويراجع لبحث هذا الموضوع: بحث الإنعاش لفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي المنشور في مجلة المجمع السابقة (1/481) والمناقشات ص 485 – 515، ويراجع كذلك بحوث نهاية الحياة للأطباء: د. مختار المهدي، ود. عصام الدين الشربيني، ود. أحمد شوقي إبراهيم، ود. حسان حتحوت، ود. أحمد القاضي، والفقهاء: د. محمد نعيم ياسين، ود. محمد سليمان الأشقر، والشيخ بدر المتولي عبد الباسط، والشيخ محمد المختار السلامي، ود. توفيق الواعي، والشيخ عبد القادر العماري، والشيخ صالح الشرف، والدكتور عمر سليمان الأشقر، والدكتور مصطفى صبري ارد غدو، والدكتور محمد عبدالله محمد، والمناقشات التي جرت في ندوة الحياة الإنسانية: بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي المنعقدة في 24/4/1405هـ الموافق 15/2/1985م، والمنشورة في كتاب الحياة الإنسانية، بدايتها ونهايتها، ضمن سلسة مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية المعاصرة ص 333 – 673

([2]) د. محمد علي البار: بحثه السابق ص 434 والمراجع السابقة

([3]) د. محمد علي البار: بحثه السابق، ومراجعه المعتمدة ص 434 – 435

([4]) د. حسان حتحوت: بحثه المشار إليه سابقًا ص 379 – 380

([5]) د. حسان حتحوت: بحثه السابق ص 380، والبحوث السابقة

([6]) د. مختار المهدي، رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب: نهاية الحياة الإنسانية، بحثه المشار إليه سابقًا ص 337 – 338

([7]) د. مختار المهدي: بحثه السابق ص 340

([8]) المرجع السابق نفسه ص 342

([9]) سلسلة مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي، ص 676 – 678، ثبت كمامل لأعمال ندوة الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي المنعقدة 24 ربيع الآخر 1405 الموافق 15 يناير 1985م

([10]) مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ع3 ج 2 ص 523

([11]) الفتاوى الهندية ط. دار إحياء التراث العربي (5/354)، والمجموع ط. إدارة الطباعة المنيرية لشركة العلماء (3/138)

([12]) أ.د. هاشم جميل: زراعة الأعضاء والتداوي بالمحرمات في ضوء الشريعة الإسلامية، بحث منشور في مجلة الرسالة الإسلامية ع212 ص 73، ود. محمد المختار الجكتي الشنقيطي: المرجع السابق ص 266

([13]) د. بكر أبو زيد: التشريح الجثماني والنقل والتعويض الإنساني، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الجزء ص ود. الجكني الشنقيطي المرجع السابق ص 223

([14]) سورة البقرة / الآية 195

([15]) سورة النساء / الآية 29

([16]) تفسير الطبري (5/50)

([17]) رواه أبو داود، الطهارة الحديث 283، وأحمد، الحديث 17144، والبخاري تعليقًا، قال الحافظ في الفتح (1/454): (وصله أبو داود والحاكم، وإسناده قوي) ثم قال: (… فكان ذلك تقريرًا دالاً على الجواز)

([18]) تفسير ابن كثير (1/718 – 719)

([19]) د. منذر الفضل: التصرف القانوني في الأعضاء البشرية ط.دار الثقافة 1992 ص 17 وسوسن هاشم: الموت والحياة بين الطب والشريعة، ط.الجامعة الأمريكية المفتوحة ص 103

([20]) الفتاوى: كل ما يهم المسلم في حياته (9/71) ط. دار القلم ببيروت

([21]) سوسن هاشم: المرجع السابق ص 110

([22]) بحوث وفتاوى إسلامية معاصرة للشيخ جاد الحق (3/430)

([23]) صحيح البخاري الحديث 2294 وأبو داود الحديث 2293

([24]) صحيح مسلم الحديث 3261 والترمذي الحديث 1328

([25]) الحديث رواه أبو داود الحديث 3207، ورواه ابن ماجه الحديث 1616 والبيهقي (4/58) وأحمد (6/58، 168 – 169، 200، 364) قال الألباني في الارواء (3/214) الحديث 763: صحيح وأطال النفس في رواياته وطرقه

([26]) رواه الترمذي وحسنه، الحديث 1400 وأبو داود الحديث 2475

([27]) رواه البخاري، كتاب الغسل، الحديث 274، ومسلم كتاب الحيض، الحديث 556 – 557

([28]) مجموعة الفتاوى الإسلامية الصادرة عن دار الإفتاء المصرية، المجلد العاشر، نشر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية 1400هـ ص 113 وما بعدها

آخر الفتاوى