سعادة الشيخ الحبيب د. حسين الشيخ محمد الباليساني حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد

فقد تسملت بيد التقدير رسالتكم الكريمة التي حملت بين طياتها سؤالكم حول: (الإقراض لأجل دعم القطاع العقاري في تركيا، فتأخذ الدولة زيادة بسيطة وهي ستون ألف ليرة لكل مليون ليرة أي تمثل 0,06%، وهي تكاد تكون يساوي المصروفات الدفترية للبنك لا أكثر كما يقولون، وأني سمعت الدكتور الأزهري المصري سعد الهلالي قد أفتى بحل سلفة العقاري بصورة مطلقة ومهما كان القرض لأنه ليس قرضًا وإنما مشاركة في مشروع (مرابحة) لأن الطرفين يربحان المصرف يأخذ فائدة والمستلف في الغالب بعد فترة يربح من زيادة ثمن العقار فهي ليست قرضًا…أي بمعنى أن التكييف الشرعي يزيل صفة القرض عن المسألة ويحولها الى معاملة شرعية مئة بالمئة، أضف إلى قول الدكتور سعد الهلالي أنه قال بانتفاء صفة الاستغلال في المعاملة في سلفة العقاري، وتعلمون بأن هناك قاعدة أصولية تقول: (ان الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا)… أي بمعنى أنه إذا انتفى الاستغلال انتفى الربا وأصبحت المعاملة شرعية….فما رأيكم أفتونا مأجورين.

الجواب:

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

أولاً – فحسب معلوماتي أن الدولة التركية تخصص القروض لتنشيط القطاع العقاري، وتكلف البنوك للقيام بذلك، وبما أن البنوك لديها مصاريف كبيرة وتزيد على هذه النسبة فإن الدولة هي التي تتحمل بقية المصروفات، لأن الدراسات العملية تدل بوضوح على أن المصروفات الإدارية في المؤسسات المالية، وبخاصة الحكومية لا تقل عن 1%.

وبناء على ذلك فإن التكييف الفقهي لهذه المسألة يقوم على ما يأتي:

التكييف الأول: أن مبلغ القرض من الدولة، والإدارة من البنك الذي هو وسيط ووكيل للطرفين، وبناء على ذلك فإن ما يأخذه البنك هو أجره في مقابل ما يقوم به من إدارة القرض، وأن هذه الزيادة ليست لصالح المقرض، وإنما لصالح الوكيل، وعندئذ فلا إشكال في ذلك.

التكييف الثاني: هو أن هذه الزيادة تقع ضمن الحدّ الأقل من المصروفات الإدارية، وبالتالي فليست زيادة محرمة.

ومع ذلك فلو تم القرض من خلال عقدين منفصلين: عقد قرض من الدولة دون فائدة، وعقد وكالة بأجر بين البنك والعميل، فهذا يكون الأفضل والأحوط وهذا هو الذي قد أفتينا به.

ثانيًا – أن تكييف الدكتور سعد الهلالي غير مقبول شرعًا وفقهًا وقانونيًا، حيث كيّف القرض العقاري بصورة مطلقة – سواء كانت الفائدة كثيرة أم قليلة- على أساس المشاركة، وهذا تكييف باطل، إن أن الفرق بين القرض الحسن وعقد المشاركة كالفرق بين السماء والأرض، فالأول عقد قائم على الإرفاق وعدم الزيادة، وعدم المشاركة، وأما عقد الشركة فقائم على أساس المشاركة، وأن الغرم بالغنم و (الخراج بالضمان) [1].

ثم إن تحديد الفائدة المحسوبة على أساس نسبة 5% – مثلاً- يقطع المشاركة بالإجماع.

ولذلك لا يمكن أن يكيف القرض بفائدة ربوية على أساس المشاركة لا شرعًا وحتى قانونًا، فإن شيخ القانونيين أستاذنا السنهوري في الوسيط (5/535) كيّف الودائع البنكية في البنوك الربوية بأنها قرض مضمون بفائدة، بل إن المادة 726 من القانون المدني المصري ينص على مثل ذلك.

ومن جانب آخر فإن السلفة التي ذكرها الدكتور سعد الهلالي، هي قرض مضمون بفائدة مضمونة مطلقًا، ومن المعلوم أن مال المشاركة ليس مضمونًا إلاّ في حالات التعدي والتقصير.

وأمر ثالث أن الربح في شركة الأموال إذا تحقق فإنه يوزع حسب نسبة رأس المال عند المالكية والشافعية، أو حسب النسبة الشائعة من الربح عند الحنفية والحنابلة، أما في صورة السلفة العقارية التي ذكرها الهلالي فقد حددت نسبة الفائدة بنسبة 10% من رأس المال مثلاً.

وأخيرًا فإن للدكتور سعد الهلالي فتاوى غريبة، وشاذّة حول عدم وجوب الحجاب للمرأة، والمواريث وغيرها، ردّت عليه كبار العلماء، والأزهر، وسموا آراءه الشاذة بضلالات سعد الهلالي، وأصدروا فيها بيانات وردوا عليها ردودًا علمية، بل إن بعضها وصلت إلى المحاكم.

هذا ما أردت بيانه بصورة موجزة.

ودمتم في رعاية الله وعنايته

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  • د. علي محيي الدين القره داغي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

وعنوان بريدي الالكتروني المباشر هو draliq@hotmial.com


([1]) رواه ابن حبان في صحيحه (4938) وحسنه محققه، ورواه الشافعي فقال ابن الأثير في شرح مسند الشافعي (4/121): صحيح، او حسن، ورواه الترمذي (1285) وقال: حسن صحيح، ورواه أبو داود بسند حسن (3508) والنسائي (4490)

آخر الفتاوى