حكم الألعاب الكومبيوترية

السؤال الأول: اللاعب صغيرًا کان أو کبيرًا، وهل يترتب علی الوالدين تکليف شرعي تجاه الطفل؟

الجواب:

مما لا شك فيه أن الإسلام يقيم مجتمعه على التوازن بين متطلبات الروح والجسم والبدن، ولذلك وضع من التشريعات لتحقيق هذا الهدف المنشود، ومن المعلوم أن من متطلبات البدن الألعاب والرياضة وكل ما لا يضرّ بالدبن ولا يتعارض مع الشرع، بل إن الإسلام يراعي فترات العمرات التي اختلف فيها الجد واللعب عن الفترات أخرى، وفترة الطفولة هي فترة اللهو واللعب في الغالب، ولذلك لا تكليف إلاّ بعد البلوغ، وحتى بعض التكاليف التي يطالب بها الطفل عند تمييزه (سبع سنوات أو أكثر) هي للتدريب، فقد قال الله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) سورة الحديد / الآية20 وقد تكرر هذا المعنى في أكثر من آية منها قوله تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) سورة الأنعام / 32، وفي سورة العنكبوت الآية 64 : (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) بتقديم اللهو على اللعب، وفي سورة محمد، الآية 36: (إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ)، فهذه الآيات تبين حقارة الدنيا على الرغم من أهميتها أمام الآخرة وخلودها، وذلك لتصحيح المقاييس والموازين، ولكنها تدل على أن هذه الأمور من اللعب واللهو أمور واقعة فيها ومن سننها التي لا يستغني عنها.

 وقد أكد ذلك الرسول الكريم، حينما قال للصحابي الجليل حنظلة: (ساعة، وساعة) رواه مسلم في صحيحه، الحديث رقم 373 والمقصود أن حياة المسلم فيها الجد – وهو الاًصل- وفيها اللعب والهزل كما قال الشاعر

الجدّ شيمته وفيه الفكاهة            طورًا فلا جدّ لمن لم يلعب

وقال عليّ رضي الله عنه: (روّحوا هذه القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة) يقول الشيخ العلامة القرضاوي في (الحلال والحرام ص 267): (وهناك ألوان كثيرة من اللهو، وفنون اللعب شرعها النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين ترفيهًا عنهم وترويجًا لهم، …. وهي مع ذلك في كثير منها رياضات تدربهم على معاني القوة…) وذلك مثل العدو والركض، والمصارعة، واللعب بالحراب، والسهام والشيش، وألعاب الفروسية، والصيد، ونحوها، حتى سمح الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجه عائشة رضي الله عنها أن تتفرج على لعبة الحبشة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة: (لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أن الذي أسأمه، فاقدروا قدر الجارية، الحديثة السن، الحريصة على اللهو) رواه البخاري ومسلم، متفق عليه.

 ففيما ذكرنا دلالة على أن الأصل في الألعاب هو الحلّ إلاّ إذا دلّ دليل على حرمة لعب معين منها، وعلى أن حق الأطفال، ثم حديثي السن، أو حديثات السن أكثر من غيرهم، بل إن الأحاديث الصحيحة المتفق عليها تدل على أن بعض الأمور غير مشروعة ولكنها تصبح مشروعة عند لعب البنات الصغيرات، أو الأطفال بها، مثل الصور المجسمة على شكل البنات حيث سمح الرسول صلى الله عليه وسلم لصغيرات السن حيث روى البخاري ومسلم وغيرهما بسندهم عن عائشة رضي الله عنها قال: (كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته – وهن اللعب – وكان لي صواحب يلعبن معي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن (يستخفين هيبة منه) فيُسرّ بهنّ إليّ فيلعبن معي)..

والخلاصة أن باب الألعاب واسع وأن المحرم منها هو ما دل عليه دليل شرعي على جرمته ولذلك فجميع ألعاب الكمبيوتر مشروعة من حيث الأصل والمبدأ بالضوابط الآتية:

1- أن لا تتضمن كلمات تتعارض مع العقيدة والقيم والأخلاق الإسلامية.

2- أن لا تشتمل اللعبة على ما يخدش الحياء، أو يتعارض مع الأخلاق والقيم الإسلامية السامية بوضوح.

3- أن لا يترتب عليها قمار.

4- أن لا يؤدي ذلك إلى الانشغال عن الصلوات وبقية العبادات وعن حقوق العباد.

 فإذا لم تتوافر هذه الضوابط الأربع أو إحداها في اللعبة فإن اللعبة محرمة، أو مكروهة حسب نسبة المخالفة وقوتها وأثرها.

وهناك ضابطان أخريان تربويان، وهما:

أ- أن لا يكون اللعب على حساب التعلم، والمذاكرة، والمدرسة.

ب- وأن لا يؤدي الالتهاء باللعب واللهو إلى أن يصبحا أصلاً وأساسًا بدل الجد والعمل الجاد المثمر البناء، فالمسلم يجب أن يكون الجد شيمته، وأن يكون اللعب واللهو المباحان استثناءً، فالله خلقه للعبودية وتعمير الكون في ضوء منهج الله.

وأما مسؤولية الوالدين ومن في حكمهما فهي: منع الأولاد عن الألعاب واللهو المحرمين والمكروهين، بالوسائل العملية المقنعة، وتحصيل البديل المباح لهم، لأنه لا يمكن نجاح التربية في هذا المجال دون إيجاد البدائل، بل إن الله تعالى حتى في مجال المعاملات عندما يحرم شيئًا يذكر بدائل مباحة، فعندما حرم الربا أباح مجموعة من العقود من البيع ونحوه، بل قدم البديل المباح عن المبدل عنه المحرم فقال تعالى: (وأحل الله البيع وحرّم الربا) ثم بيّن أضرار الربا بانه ظلم في ميزان العدل، وظلم اجتماعي، وكذلك فعل مع الخمر حيث ربّى النفوس على كرهها، وحرّك القلوب ضدها، والعواطف للانتهاء منها وأقنع العقول بأضرارها ثم حرمها فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) سورة المائدة الآية 90-91

وأما مسؤولية الوالدين بالنسبة للضابطتين التربويتين هي التوجيه والتربية لتحقيقهما بلطف وحكمة.

وهنا توجد مسؤولية أخرى وهي مسؤولية الدولة والمجتمع في المنع والاشراف والتوجيه، وتحقيق البدائل المشروعة.

السؤال الثاني: ما هو الحکم الشرعي بالنسبة للشركات والأشخاص الذين يقومون بتصميم وإنتاج الألعاب الكمبيوترية مثل المهندسين في مجال “سوفت وير” أو في مجال الصور المتحركة “أنيميشن”؟

الجواب:

والحكم الشرعي بالنسبة للشركات والأشخاص يتبع ما ذكرنها في الجواب الأول بصورة عامة، حيث إن كانت الألعاب مشروعة في حد ذاتها فيجوز للشركات والأشخاص صنعها وبيعها وتأجيرها، اما إذا كانت محرمة فلا يجوز صنعها، ولا التجارة فيها.

ماذا يترتب علی البائع؟

بيعها:

وفي حالة البيع لا يتكون الشركة البائعة مسؤولية عن كيفية الاستعمال ما دامت اللعبة مباحة، حيث إن الإكثار أو عدم الإكثار من اللعب يعود إلى اللاعب، وليس إلى البائع، ولكن إذا كانت اللعبة تقوم على أساس المقامرة بها فهي محرمة بلا شك، والله أعلم.

وترتبط بهذه المسألة عمومًا مسألة سدّ الذرائع إذا كانت اللعبة في أصل ذاتها حلالاً، ولكنها تستعمل في المحرمات، حيث ذهب جماعة من الفقهاء منهم الشافعية إلى الاعتماد على الظاهر دون الباطن والآثار والنتائج (فالعبرة عندهم بالظاهر والله يتولى السرائر)، في حين ذهب آخرون منهم المالكية والحنابلة على الصحيح إلى الاعتماد على النتائج والمآلات، وبالتالي يجب سد الذرائع والوسائل المؤدية.

وأن الراجح هو أن الوسيلة إذا كانت واضحة في استعمالها في الحرام فيجب سدها، لأن ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب.

تأجيرها:

 أما تأجيرها فقد اتفق الفقهاء في الإجارة بأن تكون المنفعة مشروعة، وبالتالي فلا يجوز تأجير اللعبة حتى ولو كانت مباحة بذاتها، في نشاط محرم.

السؤال الثالث: وما حکم الأماكن التي توفر خدمة الألعاب ويرتادها الأطفال وکذلك الکبار مقابل ثمن يعتمد علی نوعية اللعبة وفترة استخدام الجهاز.

  • هل الکسب من هذا الطريق حلال أم حرام؟
  • ب‌-            بما أن المشتري لخدمة هذه الأماکن أطفالٌ فی غالب الأحيان، ما هو حکم المعاملة بين صاحب المکان والطفل؟
  • قد يحصل الطفل علی المال بشکل غير متعارف مثلا يسرق النقود من الوالدين ويذهب إلى المکان ويلعب. هل يمکن للوالدين طلب إعادة النقود من صاحب المکان؟ هل هذا العقد باطلٌ؟

الجواب:

كل ما ذكر في هذا السؤال يخضع للجوابين السابقين ما عدا شراء الطفل هذه الألعاب حيث إن لم يكن مميزًا فلا يجوز بالإجماع، وإن كان مميزًا ففيه خلاف (يراجع فيه كتابنا: مبدأ الرضا في العقود، دراسة مقارنة، ط. دار البشائر الإسلامية / بيروت)

أما أن يسرق الطفل النقود فهذا حرام مطلقًا سواء كان للعبة أو لغيرها.

السؤال الرابع: ما هو نوع المعاملة؟ هل هذا المعاملة إجارة الحاسوب (اجارة العين) أو إجارة اللعبة (أو اجارة النفع)؟ وفي أية حالة کيف نحکم؟ هل تصح إجارة اللعب؟ وهل إجارة الحاسوب لهذا الغرض (اللعب) صحيح؟

الجواب:

 إذا كان صاحب المحل أعطى الحاسوب للاعب لفترة زمنية فهذا إجارة الأعيان للانتفاع بها لفترة زمنية محددة، وبالتالي تخضع لأحكام إجارة الأعيان بالإجماع.

أما إذا باعه فهو بيع.

السؤال الخامس: ما هو حکم الألعاب حسب المواصفات الآتية:

أ- بعض الألعاب تحتوي علی نوع من المعاداة للإسلام وتضعيفه عند المستخدم، علی سبيل المثال هناك لعبة باسم “قلعة” وهي حول غزو صلاح الدين الأيوبي مع الصليبيين ويلعب اللاعب بدلا من الجيش الصليبي ويقتل جيش الإسلام وغايته هدم جيش صلاح الدين وفي النهاية علی اللاعب أن يقتل صلاح الدين.

الجواب:

هذا غير جائز، لأنه لا تنطبق عليه الضوابط التي ذكرناها.

ب- بعض الألعاب يحرك القوی الجنسية ويحرض الشهوة بالصور المثيرة أو يشيع الشدة والخشونة عند الأطفال والمجتمع.

الجواب:

هذا داخل في باب سدّ الذرائع – كما سبق –

ج- بعض الألعاب يضرّ بالأخلاق أو يخالف العرف العام، ففي بعض المجتمعات يکره الرأي العام الألعاب وأماكنها.

الجواب:

إذا كان ذلك محققًا، يكون ذلك غير جائز.

د- بعض الألعاب يؤثر علی ثقافة المجتمع حيث يتأثر المستخدم ونمط حياته ببيئة اللعبة وسلوک أبطال اللعبة وأزيائهم.

الجواب:

يدخل في الكراهة، ويعالج بالتربية والتوجيه السليم.

هـ- قد ينفق اللاعب حيزا کبيرا من الوقت لممارسة اللعبة حيث لا يترکها وهو لم يأکل الطعام ولم يؤدّ واجباته ويعرض جسمه للضرر کالجلوس أمام الحاسوب لفترة طويلة ويمکننا وصفه کمدمن للألعاب. ماذا ترون فی مثل هذه الحالات؟

الجواب:

إذا ترتب عليه ضرر بيّن فيكون محرمًا أو مكروهًا حسب مقدار الضرر – كما سبق –

هذا والله أعلم بالصواب

أ.د. علي محيى الدين القره داغي

آخر الفتاوى