بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد
فتوى: الحكم الشرعي للسؤال بالرحم أو بحقّ الرحم
فقد وردتني استفسارات وأسئلة، حول هذه المسألة بمعان مختلفة، منها: هل يجوز السؤال بالرحم أو بحق الرحم؟ بأن يقول شخص: أسألك بحق الرحم، أو بالرحم، أو أن يقول: أناشدك الله والرحم، أو أناشدك الرحم، أو بالرحم؟
نقول، وبالله التوفيق؛
هذه المسائل تحتاج إلى شيء من التفصيل والتأصيل.
أولاً – قول القائل:” أسألك بحق الرحم، أو أناشدك بحق الرحم” فهذا جائز؛ لأنه ليس من باب القسم والحلف، وإنما مطالبة ومناشدة وترجٍ بحق الرحم، وهو حق ثابت شرعًا، وكذلك يدل على جوازه قوله تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ]النساء: 1] وذلك على قراءة الخفض، بعطف (الأَرْحَام) على ضمير (بِهِ) أي (تتساءلون بالأرحام).
حيث قال المفسرون: إن في الآية قراءتين: قراءة النصب فتكون (الأرحامَ) معطوفًا على لفظ الجلالة، فيكون معناها: اتقوا الأرحام أن تقطعوها، وهذه هي قراءة الجمهور، ولكن فيها قراءة ثانية قرأ بها عدد من القراء منهم حمزة، وحينئذ يكون معناها (تساءلون بالله، وبالأرحام) فهذه القراءة تدل على جواز المساءلة بالأرحام.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (1/339): قال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) فعلى قراءة الجمهور بالنصب، إنما يسألون بالله وحده، لا بالرحم، وتساؤلهم بالله تعالى يتضمن إقسام بعضهم على بعض بالله وتعاهدهم بالله، وأما على قراءة الخفض فقد قال طائفة من السلف: هو مثل قولهم: أسألك بالله وبالرحم، وهذا إخبار عن سؤالهم.. ومن هذا الباب ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن ابن أخيه عبدالله بن جعفر كان إذا سأله بحق جعفر أعطاه، فإن الإقسام بغير جعفر أعظم، بل من باب حق الرحم، لأن حق الله إنما وجب بسبب جعفر، وجعفر حقه على عليّ رضي الله عنه).
ثانيًا- قول القائل: أسألك بالرحم، أو أناشدك بالرحم، أو الرحم، فهذا محل خلاف.
والذي يظهر لنا رجحانه أنه إذا قصد به حق الرحم، فهذا جائز من باب حذف المضاف السائد في اللغة العربية، وتدل عليه القرائن؛ لأن هذا الأسلوب هو أسلوب عربي واضح يسمى (دلالة المقتضى) واستعمله القرآن الكريم كثيرًا، منه قوله تعالى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا…) سورة يوسف /الآية 82 أي اسأل أهل القرية.
كما أن قراءة حمزة وغيره في (والأرحام) تدل على جوازه بوضوح – كما سبق – وهذا أجازه جماعة كبيرة من العلماء ونقل في ذلك آثار عن بعض السلف، وهو موجود في دعاء كثير من الناس.
ويدل عليه أيضًا حديث الأعمى الذي علمه أنه يقول: (أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة).
وكذلك في حديث أبي هريرة حول: (أول ثلاثة تُسعر بهم النار) حيث جاء في أوله أن: (شقيًا الأصبحي – وهو أحد التابعين – قائلاً: (أنشدك بحق، وبحق…) وهذا لفظ الترمذي في سننه (4/591) وابن خزيمة (4/115) ورواه الحاكم في المستدرك وصححه (1/579) والنسائي في السنن الكبرى الحديث 11824 بلفظ (أنشدك الله بحقّ، وبحق…) وأخرجه ابن حبان في صحيحه (2/135) بلفظ (أنشدك بحقي..)
هذا الله تعالى أعلم بالصواب،
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتبه الفقير إلى ربه
أ.د. علي محيى الدين القره داغي