هل على القاتل دية المقتول إذا كان المقتول هو المُخطئ

السؤال: دهس شخص إنسانًا بسيارته وقتله، وثبت يقينًا أن المقتول هو المخطئ وليس على السائق أي خطأ أو مخالفة مرورية، أو ألقى شخص مريض نفسه على الشارع العام وقتله آخر بسيارته ولم يره، فهل تجب الدية والكفارة على السائق في الحالتين؟

الجواب:

هذه المسألة خلافية أيضًا ـ كما لا يخفى على فضيلتكم ـ ولكن الراجح هو أن فيه تفصيلاً، وهو:

أولاً ـ أن جميع حالات الدهس وحوادث السيارات التي تؤدي إلى القتل باصطدامها تجب فيها الدية على عاقلة السائق، والكفارة على السائق نفسه إلا الحالة الآتية، وهي: أن يظهر بوضوح أن الشخص المقتول باصطدام السيارة كان يريد الانتحار، وذلك برمي نفسه على السيارة أو أمام السيارة، ولم يكن أمام السائق أي مجال أبدًا لتفادي ذلك، ولم يكن السائق مخالفًا لقوانين المرور من حيث السرعة ونحوها.

وفي ضوء ذلك تجب الدية والكفارة في الحالات الآتية ولو كان الشخص المقتول أراد الانتحار:

أ ـ ما إذا كان السائق أمكنه تفادي الحادث.

ب ـ إذا تبين أن السائق كان مخالفًا لقواعد المرور.

وهذا الحكم على السائق يطبق على المريض نفسيًا بالضوابط السابقة نفسها.

ثانيًا ـ أما الذين يموتون داخل السيارة فحكمها كالآتي:

أ ـ إذا تبين أن سيارتهم هي المضروبة والمصدومة من سيارة أخرى، ففي هذه الحالة تجب الدية والكفارة على سائق السيارة الصادمة المخالفة لقانون المرور.

ب ـ إذا تبين أن موتهم كان بسبب خطأ مشترك من سائق السيارة الصادمة وخطأ سائق السيارة التي هم فيها، فحينئذ يشترك السائقان وعاقلتهما في تحمل الدية، وتجب الكفارة على كل واحد منهما.

ج ـ أما إذا تبين أن الخطأ كان بسبب سائق السيارة التي هم فيها ففي هذه الحالة فهو وحده يتحمل المسؤولية، وتجب عليه الكفارة، والدية على عاقلته، وذلك لأن شريعة الإسلام شددت في مسألة الدماء، واتفق الفقهاء على أنه لا يطَلّ (لا يهدر) دم في الإسلام فإما قصاص، وإلاّ فدية، وإذا لم يعلم القاتل، أو لم تفرض على شخص معين لأي سبب كان فعلى بيت المال أن يتحمل هذه الدية، أو الديات.

ولذلك لا يعفى السائق من المسؤولية إلاّ في حالات القوة القاهرة، أو بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيرًا قويًا في إحداث النتيجة، أو كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه وحينئذ يتحمل هذا الغير المسؤولية.

وقد صدر قرار رقم (71(2/8) من مجمع الفقه الإسلامي الدولي، هذا نصه: (إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري بيجوان، بروناي دار السلام من 1 – 7 محرم 1414هـ الموافق 21 – 27 حزيران (يونيو) 1993م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع حوادث السير، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،

وبالنظر إلى تفاقم حوادث السير وزيادة أخطارها على أرواح الناس وممتلكاتهم، واقتضاء المصلحة سن الأنظمة المتعلقة بترخيص المركبات بما يحقق شروط الأمن كسلامة الأجهزة، وقواعد نقل الملكية ورخص القيادة والاحتياط الكافي بمنح رخص القيادة بالشروط الخاصة بالنسبة للسن والقدرة والرؤية والدراية بقواعد المرور والتقيد بها وتحديد السرعة المعقولة والحمولة، قرر ما يلي:

أولاً:

‌أ- إن الالتزام بتلك الأنظمة التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية واجب شرعًا، لأنه من طاعة ولي الأمر فيما ينظمه من إجراءات بناءً على دليل المصالح المرسلة، وينبغي أن تشتمل تلك الأنظمة على الأحكام الشرعية التي لم تطبق في هذا المجال.

‌ب- مما تقتضيه المصلحة أيضًا سن الأنظمة الزاجرة بأنواعها، ومنها التعزير المالي، لمن يخالف تلك التعليمات المنظمة للمرور لردع من يعرض أمن الناس للخطر في الطرقات والأسواق من أصحاب المركبات ووسائل النقل الأخرى أخذًا بأحكام الحسبة المقررة.

ثانيًا: الحوادث التي تنتج عن تسيير المركبات تطبق عليها أحكام الجنايات المقررة في الشريعة الإسلامية، وإن كانت في الغالب من قبيل الخطأ، والسائق مسؤول عما يحدثه بالغير من أضرار، سواء في البدن أم المال إذا تحققت عناصرها من خطأ وضرر ولا يعفي من هذه المسؤولية إلا في الحالات الآتية:

 ‌أ- إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان.

‌ب- إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيرًا قويًا في إحداث النتيجة.

‌ج- إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه فيتحمل ذلك الغير المسؤولية.

ثالثًا: ما تسببه البهائم من حوادث السير في الطرقات يضمن أربابها الأضرار التي تنجم عن فعلها إن كانوا مقصرين في ضبطها، والفصل في ذلك إلى القضاء.

رابعًا: إذا اشترك السائق والمتضرر في إحداث الضرر كان على كل واحد منهما تبعة ما تلف من الآخر من نفس أو مال.

خامسًا:

‌أ- مع مراعاة ما سيأتي من تفصيل، فإن الأصل أن المباشر ضامن ولو لم يكن متعديًا، وأما المتسبب فلا يضمن إلا إذا كان متعديًا أو مفرطًا.

‌ب- إذا اجتمع المباشر مع المتسبب كانت المسؤولية على المباشر دون المتسبب إلا إذا كان المتسبب متعديًا والمباشر غير متعد.

‌ج- إذا اجتمع سببان مختلفان كل واحد منهما مؤثر في الضرر، فعلى كل واحد من المتسببين المسؤولية بحسب نسبة تأثيره في الضرر، وإذا استويا أو لم تعرف نسبة أثر كل واحد منهما فالتبعة عليهما على السواء.

والله أعلم.) يراجع: مجلة المجمع (العدد الثامن ج2 ص171)

آخر الفتاوى