السؤال: (ما قولكم دام فضلكم في القضية التالية التي عرضت عليَّ وهي كما يلي: حصل انفجار في محطة وقود للسيارات مما أدى لوفاة ثمانية أشخاص منهم ثلاثة من النصارى وجرح أكثر من عشرين شخص وقد تكفل مالك المحطة بعلاج الجرحى وانتهت قضيتهم ولكن المشكلة مع أهل المتوفين حيث يطالبون مالك المحطة بالدية الشرعية (ويقدر مجموع المبلغ بحوالي نصف مليون دينار أردني حسب التقدير السائد للدية في الضفة الغربية المحتلة) وبعد الاستماع لمالك المحطة ودراسة الوثائق الرسمية التي قدمها تبين لي ما يلي:
- المحطة مرخصة رسميًا من الجهات الحكومية (اطلعت على التراخيص الرسمية) الجهات الحكومية هي التي أشرفت على إنشاء المحطة منذ تأسيسها حتى تشغيلها وذلك بتكليفها مهندسًا للإشراف على المشروع وتعاقدها مع جميع الشركات التي كان لها دور في تنفيذ المشروع الذي كلف مليون ومئتي ألف دولار وكان دور مالك المحطة دفع التكاليف حسب الفواتير التي تقدمها الجهات الحكومية!!
- قبل حصول الحادث بسبعة أيام كان موعد الفحص الدوري للمحطة من قبل الجهات
الحكومية التي أصدرت شهادة للمحطة بأن جميع إجراءات السلامة متوفرة فيها. - بعد حصول الحادث أُحضر خبير متخصص في تركيب محطات الوقود ومزود بشهادات رسمية من (إسرائيل) للتحقيق في الحادث وكتب تقريرًا مفصلاً مزودًا بالخرائط والصور وتوصل إلى أن سبب الانفجار هو أخطاء في تركيب خزانات الوقود ووصلاتها من الجهة المنفذة مما أدى إلى حصول الانفجار.
هذه أهم المعطيات عن الحادث وأرجو التكرم بالإجابة على ما يلي:
- هل يتحمل صاحب المحطة ديات المتوفين مع أنه غير مباشر ولا متسبب؟
- هل تتحمل الجهات الحكومية المنفذة لمشروع المحطة المسئولية؟
- هل يمكن تحميل السلطة (الحكومة) ديات القتلى حتى لا تهب دماؤهم هدرًا؟
أفيدونا وجزاكم الله خير الجزاء)
الجواب:
إن من المعلوم كما أشرتم إليه في رسالتكم الكريمة أن الدية إنما تجب إذا كان هناك سبب مباشر، أو غير مباشر، وبالمقابل فإن القاعدة العامة في الاسلام تقضي بأنه لا يطل ـ يهدر ـ دم في الاسلام، بحيث إذا لم يكن هناك شخص محدد، أو عاقلة، فإن الدولة تتحمل الديات، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم عند النزاع وعدم الثبوت، أو في الجنايات التي يعود أسبابها إلى الأمور العامة، فقد صرح الفقهاء بأن من لا عاقلة له، أو كانت له عاقلة فعجزت عن دفع الدية، أو كان القتل أو التلف بسبب خطأ الإمام، أو الحكام، أو من ينوب عنهما، أو وجد القتيل في مكان عام، أو قتل في زحام طواف، أو مسجد عام، أو الطريق الأعظم، فإن بيت المال (أي الدولة) هو الذي يتحمل الدية، وذلك لقول علي رضي الله عنه: (لا يطل دم امرئ مسلم) أخرجه سعيد بن منصور في سننه[1].
وبناء على ذلك فالذي يظهر لنا من السؤال هو أن الذي يتحمل هذه الديات هو: الجهة المنفذة التي تسببت ـ حسب شهادة الخبير ـ في الانفجار، حيث ذكر بأن سبب الانفجار هو أخطاء في تركيب خزانات الوقود ووصلاتها من الجهة المنفذة.
وبالنسبة للأسئلة الثلاثة الموجهة إلينا كالآتي: (إن صاحب المحطة حسبما جاء في رسالتكم الكريمة مرخص له بالمحطة….. الخ، لا تجب عليه الديات، وإنما الديات على الجهات الحكومية المنفذة للمشروع لسببين اثنين:
أحدهما: أن أسباب الانفجار تعود حسب رأي الخبير إلى (أخطاء في تركيب خزانات الوقود، ووصلاتها من الجهة المنفذة).
وقول الخبير الذي ليست له مصلحة مع أحد الطرفين معتمد في الفقه الإسلامي.
وثانيهما: أن الحكومة تجب عليها ديات مواطنيها إذا لم تثبت على أحد، فهي ولي من لا وليّ له).
ولكن أقترح من باب تطيب النفوس ودرء الفتنة” إطفاء الغيظ” أن يدفع صاحب المحطة مبلغًا مناسبًا مقدورًا عليه من باب الصدقة لورثة المتوفيين، ويساعدهم في أمر المحاماة لتحصيل دياتهم من الدولة.
هذا والله أعلم بالصواب
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
([1]) يراجع في هذه الأحكام الفقهية: تبيين الحقائق للزيلعي (6/139) وحاشية ابن عابدين (5/406 – 413) والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (4/282، 486) والخرشي (8/46) والروضة (9/228 و11/308) ومغني المحتاج (4/97) والمغني لابن قدامة (8/69، 312،) ونيل المآرب (2/110)