فتوى بوجوب بذل الجهود المالية والاقتصادية والسياسية والإعلامية لدعم تحرير القدس الشريف أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد

فيجب أن تبقى قضية تحرير القدس بصورة خاصة وفلسطين بصورة عامة قضية المسلمين الأولى في جميع المجالات الفكرية، والعسكرية، والاجتماعية…، وذلك لما تحمل هذه القضية من

معان ومدلولات، ولأن موضوعها القدس الشريف أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ولذلك ربط الله تعالى بينه وبين المسجد الحرام فقال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الإسراء: 1]، وكذلك وردت أحاديث صحيحة في أهمية الأرض المباركة لا يسع المجال لذكرها هنا.

 واليوم تتعرض فلسطين، والقدس الشريف بصورة خاصة للتهويد، ويتعرض المسجد الأقصى للتقسيم الزماني والمكاني ومحاولة هدمه ليبني مكانه الهيكل المزعوم لسيدنا سليمان عليه السلام.

 لذلك يجب على المسلمين كافة، وعلى القادرين بشكل خاص أن يبذلوا كل جهودهم المالية والاقتصادية والسياسية والإعلامية لحماية المسجد الأقصى، والقدس الشريف من أطماع الصهاينة المعتدين، كلّ بقدره (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16].

إن الأدلة الشرعية على وجوب هذا البذل والحماية أكثر من أن تحصى لأنها من الجهاد المفروض شرعًا لدى الفقهاء لدفع المحتلين، بل إن جمع القوانين والمواثيق الدولية أيضًا تؤيد ذلك، فمن هذه الأدلة (انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [التوبة: 41].

وبناء على ما سبق فإن المطلوب من المسلم ما يأتي:

1- البذل والعطاء والانفاق في سبيل الله بكل ما أمكن.

2- الرباط في المسجد الأقصى – لو أمكن – وبما أن المسلم اليوم خارج فلسطين لا يستطيع شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى والرباط فيه بسبب الاحتلال الصهيوني فإن عليه شرعًا أن يعوض ذلك بالتبرع لمشاريع الرباط في المسجد الأقصى، فقد وردت أحاديث صحيحة في فضل الرباط فقال صلى الله عليه وسلم: (رباط شهر خير من صيام الدهر) رواه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (كل ميت يختم على عمله إلاّ المرابط في سبيل الله فإنه ينمّى له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر) رواه أبو داود والترمذي وقال (حسن صحيح) وصححه الألباني وغيره.

ولكن من لم يستطع أن يرابط في الأقصى فإن عليه أن يكفل شخصًا ممن هم قادرون على الرباط، حيث قالت ميمونة: (يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس. قال صلى الله عليه وسلم: (ائتوه فصلّوا فيه) قالت: فإن لم نستطع؟ قال: (فابعثوا بزيت يُسرج في قناديله) رواه أبو داود بسند حسن، وقال النووي في الخلاصة (1/306): (إسناده حسن) وهكذا قال السخاوي، وقال علاء الدين مغلطاي في شرح سنن ابن ماجه (3/198): (إسناده صحيح).

ولذلك ندعو المسلمين جميعًا لدعم المشاريع المتعلقة بالقدس الشريف، وبالأقصى المبارك أداءً للواجب، وحماية للحق قال تعالى: (هَا أَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 38].

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 كتبه الفقير إلى ربه

 أ.د. علي محيي الدين القره داغي

 الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المســـــلمين

 نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

آخر الفتاوى