حكم عقود القروض الاستثمارية لمسلمي أوروبا بين الإباحة والتحريم، والحاجة والضرورة

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

فقد عرض علينا موضوع: (القروض الاستثمارية لمسلمي أوروبا بناءً على الضرورة العامة للأقلية المسلمة)، وبعد دراسة الموضوع من جوانبه الأساسية، الاجتماعية والاقتصادية، وآثار جائحة كورونا (كوفيد-19) على مسلمي أوروبا، ومناقشة وتحديد عناصر الضرورة والحاجة – إن توافرت- المبيحة للاقتراض بفائدة، ومسؤولية تقدير الضرورة أو الحاجة العامة المبيحة للتعامل بالربا،

تقرر ما يلي:

أولاً- أن الربا النسيء من المحرمات التي لا يجوز ارتكابه إلاّ حسب الضرورات الشرعية، وأن ربا البيوع الثابت في السنة لا يجوز إلاّ عند الحاجة العامة.

ثانيًا – من الناحية الفقهية يمكن توسيع دائرة الضرورات والحاجات العامة لتشمل الأفراد، والدولة، والأقلية، حيث إن مخالفة الحكم الأصلي -من حيث المبدأ- مشروعة في حالة الحاجة العامة دون البلوغ إلى مرحلة الضرورة الفردية، فقد جعل إمام الحرمين الحاجة العامة في شأن العامة بمثابة الضرورة الحقيقية في شأن الفرد.

ثالثًا- أن ضروريات الشخصيات الاعتبارية (العامة للأقلية المسلمة كالمراكز الإسلامية) بمثابة ضروريات الشخص الطبيعي، وعليه يُباح لهذه المؤسسات العامة الاقتراض بفائدة إذا كانت مهددة فعلاً بالانتهاء والموت.

رابعًا – الضرورة تتحقق عند توافر الشروط الآتية:

(1) عدم وجود أي تمويل إسلامي يحقق الغرض المنشود بعد بذل المجهود، والسعي الجاد لإيجاد أي بديل إسلامي، دون الحصول عليه.

(2) أن يكون محل الضرورة قضية عامة شاملة لعموم الأقلية المسلمة، فلا يجوز الربا للأفراد أو الشركات الخاصة أو المشتركة إلاّ حسب الضرورة الشرعية الأصولية.

(3) أن لا يكون للاقتراض بالفائدة أي بديل ممكن.

(4) أن يكون موضوع التمويل شيئًا عامًا وجوهريًا للأقلية المسلمة مثل قضايا التعليم، والصحة، والمراكز، وبعبارة أخرى أن تتعرض مصالح الأقلية المسلمة الحيوية للخطر إذا لم تقم بالتمويل المطلوب.

(5) أن يترتب على عدم الاقتراض الإضرار بالأقلية المسلمة، إضرارًا حقيقيًا عامًا وليس مجرد التوقع أو التوهم.

خامسًا – أن عناصر الضرورة وما يلحق بها بالنسبة للأقلية المسلمة، تشمل ما يأتي:

أ- تمويل المشروعات الضرورية الخاصة بحياة ومستقبل الأقلية المسلمة.

ب- تمويل المشروعات الاقتصادية والمؤسسات التنموية التي تتعرض للإفلاس فعلاً إن لم تقم بالاقتراض.

هـ- تمويل المشروعات الخاصة بالتعليم والمراكز العامة للتنمية الشاملة للقضاء على الفقر المدقع، والمجاعة، والبطالة في حدود الضرورة بمعناها الواسع.

ز- ضابط الضرورة للأقلية المسلمة هي أن تتعرض مصالحها الحيوية للخطر، ولذلك عليهم أن يتحققوا من وجود خطر حقيقي، أو ضرر واضح عام، أو فوات منفعة عامة.

سادسًا – يعود تقدير الضرورات الخاصة بالأقلية المسلمة إلى الخبراء في البلد الذي يعيشون فيه، والتشريعات والقوانين المطبقة في كل بلد، فعلى الأقلية المسلمة وضع معالم واضحة للاقتراض بفائدة بكل دقة حتى لا تتم إلاّ في الضروريات، وبعد أن تستنفذ كل البدائل الشرعية (التي ذكرناها في البحث) والتي تفي بضرورياتها من غير اللجوء إلى الاقتراض بفائدة.

 فإذا لم تقم الأقلية المسلمة بالوسائل المقترحة فإنها لا تكون قد بلغت مرحلة الضرورة التي تبيح لها الاقتراض بفائدة، حيث إن المسألة لا يمكن معالجتها من خلال صيغة واحدة، وإنما عن طريق صيغ كثيرة مناسبة مع حاجيات الأقلية المسلمة الأساسية، ومن هنا يجب أن يتم حصرها حصرًا عقليًا، ثم يتم وضع لكل حاجة بديلها، أو بدائلها.

سابعًا- تشكيل لجنة مؤهلة ومتخصصة (متكونة من فقهاء الشريعة والخبراء الاقتصاديين والماليين والفنيين) للتعرف على حاجيات الأقلية المسلمة عن قرب، ولتقدير الضرورة في حالة الإقراض بفائدة، وكذلك قادرة للتعامل مع المصارف المركزية والجهات الرقابية والمؤسسات المالية في سبيل دراسة المسألة على نطاق فعال.

ثامنًا- تشجيع البنوك والمؤسسات المالية التقليدية، على الحصول على ترخيص مزاولة الصيرفة الإسلامية بفتح فروع، أو نوافذ، أو تقديم منتجات مصرفية ومالية إسلامية، حيث هناك إقبال كبير في هذا المجال من قبل البنوك الكبرى مثل: دوجيه بنك، و HSBC وسيتي بنك وغيرها، لتقديم منتجات مالية مدروسة وفق المنظومة المقاصدية، واختبارها وفقًا لفقه المآلات، وتوعية الأقلية المسلمة، ومؤسساتها، وقناعة أصحاب الأموال بتطبيق النظام الاقتصادي، وصولاً إلى الحصول على دعم المصارف والبنوك المركزية في كل بلد.

تاسعًا – إنشاء صندوق مالي تعاوني داخل كل دولة يشارك فيها الأفراد والشركات، وبحث إدارة ناجحة لتحقيق التكافل.

عاشرًا- إحياء نظام الوقف بمعناه الواسع.

حادي عشر- الاستفادة من فكرة المحافظ والصناديق الاستثمارية وبخاصة في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

ثاني عشر- كذلك ينبغي المحاولة مع بعض الدول الإسلامية في دعم إنشاء مؤسسات مالية إسلامية، وكذلك بنك التنمية الإسلامي الذي يقوم بدور طيب في مجال التنمية والتمويل بطرق إسلامية، حيث لا ينبغي إهماله.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أ.د. علي محيي الدين القره داغي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

آخر الفتاوى