أحكام الأضحية:

قضايا ومسائل تثار عن الأضحية

المسألة الأولى: التعريف بالأضحية الصحيحة:

 الأضحية هي ما يُذبح من بهيمة الأنعام الغنم، والمعز، والبقر، والإبل، بقصد التقرب إلى الله تعالى في عيد الأضحى، وأيام التشريق الثلاثة، وتكفي الشاة الواحدة والمعزة الواحدة لشخص واحد، وأما البقر والإبل فتكفي الواحدة منهما لسبعة أشخاص.

 ويشترط في الأضحية أن تكون سليمة غير معيبة عيبًا مؤثرًا في اللحم، أو الشكل، ولا يضر كونها بدون الإلية على الراجح، ولا يضر كونها مقطوعة الإلية، أو خصيًّا على الراجح من أقوال أهل العلم.

ولذلك لا تجوز الأضحية بالعوراء البيّن عورها، ولا بالمريضة البيّن مرضها، ولا بالعرجاء البيّن عرجها، ولا الهزيلة التي ليس لها لحم، ولا يجوز أن يعطى الجزار شيئًا منها في مقابل عمله (أي الأجرة) ولا بيع شيء منها لا لحمها ولا جلدها.

ويجب التصدق بجميع أجزاء الأضحية حتى جلدها، وشعرها….

 فالمطلوب من المسلم أن يختار الأفضل من حيث السمنة وكثرة اللحم، والبعد عن أي عيب، وذلك لقوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).

المسألة الثانية: حكم الأضحية:

 إن الراجح الذي تدعمه الأدلة من الكتاب والسنة هو أن حكم الأضحية أنها شعيرة عظيمة، وسنة مؤكدة، وليست واجبة لا على الحاج، ولا على غيره، والأحناف ومَنْ معهم قالوا بوجوب الأضحية، بناء على أن الأمر في الآية للوجوب، وهي قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) حيث فسره قتادة، وعطاء، وعكرمة، وغيرهم بالأضحية، بناء على أن الأمر حقيقة في الوجوب، ولكن الجمهور استدلوا بأدلة قوية، وقالوا: إن كون الأمر حقيقة في الوجوب محل خلاف، والراجح أنه لمجرد الطلب، ثم القرائن تحدد كونه للوجوب، أو الندب، بل للإرشاد، أو الإباحة، بالإضافة إلى أن لفظ (وَانْحَرْ) ليس نصًا في الأضحية بل يمكن أن يراد به نحر الهدي، كما أن السورة مكية.

 ويدل على عدم وجوبها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمسّ من شعره وبشره شيئًا)، ومحل الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم: (وأراد) حيث يدل على الخيار.

 وهناك أحاديث كثيرة تدل على مشروعية الأضحية وفضلها، وعلى ذلك الإجماع، كما قال ابن قدامة في المغني.

ولكن الأضحية أفضل من الصدقة العامة، وقال بعض أهل العلم أن الصدقة بقيمتها أفضل، وهذا مروي عن عائشة رضي الله عنها، والأول أرجح.

المسألة الثالثة: وقت ذبح الأضحية:

 وقت ذبح الأضحية يوم العاشر من ذي الحجة من بعد صلاة العيد أو بمقدار مضيّ وقتها إلى غروب الشمس من اليوم الرابع من العيد أي (10، 11، 12، 13) من ذي الحجة، ولا مانع من الذبح ليلاً أو نهارًا في هذه الأيام الأربعة من بعد صلاة العيد مع ملاحظة انتهاء وقتها بغروب الشمس من اليوم 13، والأفضل في ذلك ما يحقق مصالح الفقراء.

المسألة الرابعة: توكيل المضحي لغيره:

يجوز توكيل المضحي لغيره ممن يجوز ذبحه في الذبح بالإجماع، وإن كان الأفضل هو أن يقوم المضحي بذبح أضحيته بنفسه إن كان قادرًا، وسيأتي مزيد من التفصيل.

المسألة الخامسة: صحة الدفع للجمعيات الخيرية:

 وبالتالي فإن ما تقوم به الجمعيات الخيرية من جمْع أثمان الأضاحي، ثم هي تقوم بذبحها من خلال فروعها في البلاد المحتاجة أمر مشروع بالإجماع، لا يجوز الاعتراض عليه أو الشك فيه ما دامت الجمعية ثقة معروفة بحُسن التنفيذ.

المسألة السادسة: أضحية واحدة لكل أهل بيت:

 تكفي أضحية واحدة لكل أهل بيت واحد حيث روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بكبش ليضحّي به، فأضجعه ثم قال: (بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد) ثم ضحَّى به، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم ضحّى بكبشين أقرنين أملحين) وفي رواية: (قال عند ذبح الثاني: عن مَنْ آمن وصدّقني من أمتي).

ولكن لمن هو قادر فالأفضل أن يكثر من الأضاحي.

المسألة السابعة: مقاصد الشريعة من الأضحية:

للأضحية مقاصد كثيرة وحِكم متنوعة وفوائد عظيمة من أهمها:

(1) تحقيق العبودية لله تعالى في مجال المال، وتعظيم شعائره، فالأضحية عبادة مالية لله تعالى، ووسيلة للتقرب إلى الله تعالى من خلال صرف جزء من الأموال لتنفيذ أوامر الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم.

(2) أداء الشكر على نعمة المال، ولذلك لا يشرع إلاّ لمن له مال وقدرة على الأضحية.

(3) أداء حق الاخوة الايمانية والمساهمة في التكافل الاجتماعي المطلوب تحقيقه بكل الوسائل الممكنة.

(4) إدخال السرور في قلوب الفقراء حتى يحسّوا بفرحة العيد ويشاركوا غيرهم فيها.

(5) التوسيع على النفس والعيال في العيد.

(6) إحياء سنة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وإبقاء هذه السنّة في الذاكرة والتطبيق، حيث أراد أن يضحي بابنه إسماعيل عليه السلام، ولكن الله تعالى فداه بذبح عظيم.

وفي ذلك قدوة للكبار والشباب والنساء، وتربية على طاعة الله تعالى بأغلى ما لدى الإنسان.

المسألة الثامنة: كيفية تقسيم الأضحية:

يقسم المضحي الأضحية على الفقراء والمحتاجين، ويترك جزءًا منها لنفسه وأهله إن لم يكن ناذرًا، ولو قسمها أثلاثًا فلا حرج حيث ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه من الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث).

المسألة التاسعة: إعطاء جزء منها لغير المسلمين:

ويجوز أن يعطى جزءًا منها لغير المسلمين ممن يعيش في بلادنا من الأصدقاء، والخدم والسواق والعمال ونحوهم؛ لأن ذلك من باب البر المطلوب في سورة الممتحنة قال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، وصحّ عن ابن عمر رضي الله عنهما انه ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: (أهديتم لجارنا اليهودي؟) (مرتين)، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).

المسألة العاشرة: هلاك الأضحية بعد شرائها أو تعيينها:

(أ) إذا اشترى المضحي الأضحية ثم هلكت قبل وقتها فلا شيء عليه إلاّ إذا كانت الأضحية نذرًا وهلكت بسبب منه من التعدي أو التقصير، ففي هذه الحالة يجب عليه شراء مثلها ثم يضحي بها.

(ب) أما إذا تعيبت بعد شرائها فلا حرج من أن يضحي بها، لأنه معذور شرعًا.

(ج) أما إذا ولدت بعد تعيينها فيذبح معها ولدها.

المسألة الحادية عشرة: الأضحية عن الغير:

(أ) الأضحية عن الميت:

(1) إذا أراد أن يضحي عن الميت الذي وصّى بها فهذا جائز حتى ولو لم يترك مالاً، أما لو ترك مالاً ووصّى بها فيجب تنفيذها من ثلث أمواله بالاتفاق.

(2) أما إذا لم يوص بها فقد أجازه جمهور أهل العلم ولا سيما للوالدين، وتجوز الأضحية عن أقاربه أو أحبته الموتى على الراجح الثابت، وأما الصدقة عن الأقارب فهي محل اتفاق.

(ب) الأضحية عن الحيّ:

(1) يجوز أن يضحي عن الحيّ العاجز وعن الوالدين وعن الأهل – كما سبق – وأجاز بعض أهل العلم لغيرهما أيضًا من القادرين، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ضحى عن أهله، وعن أمته.

(2) والأفضل أن يعطي الغني بعض أضحياته للفقراء، أو غيرهم حتى لا يحرموا من هذا الأجر، فقد روى البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قسّم ضحايا بين أصحابه) وذلك بأن يوزع الغني الحيوانات التي يريد أن يضحي بها على الفقراء أو على غيرهم ليقوموا هم بذبحها وتوزيعها، وأخذ جزء منها، وتوزيع الباقي على المستحقين لها، وبذلك شاركوا في إقامة شعائر الله تعالى.

المسألة الثانية عشرة: الحيوانات التي تجوز للأضحية وأسنانها:

(1) ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا تجزئ الأضحية من غير بهيمة الأنعام وهي: الإبل، والبقر، والضأن، والمعز.

 وذهب بعض أهل العلم منهم الحسن بن صالح إلى أن بقرة الوحش تجزئ عن سبعة، والظبي عن واحد.

(2) وأما أسنانها فهي أن الضأن لا بد أن لا يقل سنّه عن ستة أشهر أي: الجذع، وثني المعز لا بد أن يكمل سنة، والبقر سنتين أي: مسنة، والإبل خمس سنوات ودخلت السادسة.

المسألة الثالثة عشرة: سننها وآدابها:

(1) من حيث الحيوان أن يختار الأحسن والأسمن والأفضل والأقرن، واختلفوا في أن الشاة أفضل من سبع الإبل والبقر؟ والراجح أن الكبش أفضل من السُّبُع، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ضحى به – كما سبق – وأن يلتزم بآداب الذبح المعروفة.

(2) ومن سنن الأضحية للمضحي (رجلاً أو امرأة) أن يمتنع من قصّ شعره، وقلم أظافره بعدما نوى الأضحية منذ العشر الأوائل من ذي الحجة إلى أن يضحي، قال ابن قدامة: (من أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئًا).

(3) ومن المستحبات تقسيم الأضحية أثلاثًا: ثلث لنفسه وأهله، وثلث يهدي لمن أراد من الجيران والأصدقاء حتى ولو كانوا أغنياء، وثلث يوزعه على الفقراء.

(4) ومنها أن يذبحها بنفسه إن أمكن ذلك، وليس هذا واجبًا ولا يؤدي إلى نقصان الأجر، ويقول عند الذبح: (بسم الله، والله أكبر، هذا منك، ولك، اللهم تقبل مني، أو من فلان) أو يقول: (اللهم هذا عني، وعن أهل بيتي).

(5) ولا يشترط أن يذكر الوكيل اسم الشخص الموكل المضحي، قال أهل العلم: (لا نعلم خلافًا في أن النية تجزئ، وإن ذكر من يضحي عنه فحسن).

المسألة الرابعة عشرة: ما يتعلق بامتناع المضحي عن حلق الشعر، وقلم الأظافر:

تثار في كل عام هذه المسألة، وينشغل بها الناس، فأود أن أبين هنا مجموعة من الأمور المهمة، وهي:

(1) لا شك أنه ورد في هذه المسألة حديث صحيح رواه مسلم بسنده عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمسّ من شعره وبشره شيئًا) وفي رواية: (فلا يأخذنّ شعرًا، ولا يقلمن ظفرًا) فهذا الحديث صحيح أخذ بظاهره في الدلالة على الحرمة بعض أهل العلم، قال ابن قدامة: (وهو قول بعض أصحابنا وحكاه ابن المنذر عن أحمد واسحاق وسعيد بن المسيب، وقال القاضي وجماعة من أصحابنا: هو مكروه غير محرم – أي كراهة تنزيه -، وبه قال مالك والشافعي لقول عائشة: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلدها بيده، ثم يبعث بها، ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي.. متفق عليه)، وقال أبو حنيفة: (لا يكره ذلك….).

 فهؤلاء العلماء -وهم الجمهور- حملوا حديث أم سلمة رضي الله عنها على كراهة التنزيه أو الإباحة، لأن النهي وإن كان الظاهر فيه الدلالة على التحريم عند جماعة من العلماء، لكن هذا ليس محل إجماع، كما أن القرائن تصرفه عن التحريم إلى غيره، ومن أهمها حديث عائشة رضي الله عنها الصحيح المتفق عليه، حيث علق عليه الشافعي فقال: (فيه دلالة على أنه لا يحرم على المرء شيء ببعثه بهديه، والبعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية).

 وهذا هو الذي نرجحه، لأن الأصل براءة الذمة وأن التحريم لا يثبت إلاّ بدليل صريح صحيح غير مؤول والله أعلم.

(2) هذا الاختلاف في قص الشعر أو حلقه، وفي تقليم الأظافر فقط، وليس هناك خلاف فيما عداهما حيث لا يمنع الطيب، ومعاشرة الزوجة ونحو ذلك بالنسبة لمن أراد أن يضحي.

(3) هذا الحكم من كون الامساك عن الشعر سنة أو واجبًا، وتركه محرمًا أو مكروهًا كراهة تنزيه أو مباحًا خاص بالمضحي نفسه دون أهله ومن يضحي عنه، ويبدأ هذا من يوم النية والإرادة الجازمة للأضحية.

المسألة الخامسة عشرة: نقل الأضحية وتوكيل الجمعيات الخيرية:

 إن مما أنعم الله به علينا في قطر بصورة خاصة، وبلاد الخليج بصورة عامة من الأمن والأمان ووفرة الخير والمال والغنى، فهذا من موجبات العطاء، والشكر لله تعالى، في حين أن أهل بعض البلاد الإسلامية يتضورون جوعًا، ولا يجدون كسرة خبز، وبعضهم رأيتهم يقولون لم نتذوق لحمًا من عدة أشهر، ففي ظل مثل هذه الأحوال فإن القول بنقل الأضاحي إلى الفقراء البائسين في سوريا، وفلسطين، والعراق، وأفريقيًا، وبورما، وكشمير ونحوها من البلاد الإسلامية يكون هو الراجح القوي المتفق مع مقاصد الشريعة، ولا يتعارض مع أي نص من نصوص الكتاب والسنة، فقد صدرت فتاوى جماعية بنقل الزكاة وهي الركن الثالث، وبغيرها، بالإضافة إلى أن توكيل المضحي لغيره – مثل الجمعية الخيرية الثقة – محل إجماع لدى أهل العلم – كما سيأتي تفصيله- وأن ما أثاره بعض المعاصرين من فوات إظهار الشعيرة ونحو ذلك بالنقل غير مسلم، لأن الشعيرة تقام فعلاً في كل بلد، والحمد لله، ولو سلم فإن المسلمين أمة واحدة، وجسد واحد، فإن إقامة الشعيرة تتحقق في البلد المنقول إليه، كما أن النية والتقوى هي الأساس فقال تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ)، كما أن من مقاصد الأضحية إطعام الفقراء البائسين فقال سبحانه: (وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع ادخار لحوم الأضاحي لما وجد شدة فاقة الناس، ولما وجد السعة أجازه.

 ولكن الأفضل لمن هو قادر أن يكتفي بأضحية واحدة داخل بلده لإظهار الشعيرة، ويقوم هو بنفسه بذبحها، أو يحضر ذبحها، ويأكل منها، ويرسل بقية الأضاحي إلى الفقراء البائسين في سوريا، وفلسطين ونحوهما.

وقد ذكر بعض الفقهاء صورة قريبة مما يحدث اليوم، وهو أن الشيخ محمد بن سليمان الكردي ذكر في حاشيته على شرح ابن حجر، وأورده الدمياطي في إعانة الطالبين، أنه: سئل رحمه الله تعالى: (جرت عادة أهل بلد جاوى (جاوة) على توكيل مَنْ يشتري لهم النعم في مكة للعقيقة، أو الأضحية، ويذبحها في مكة.. أفتونا؟

فأجاب: بأنه يجوز التوكيل في شراء الأضحية والعقيقة، أو الأضحية وفي ذبحها، ولو ببلد غير بلد المضحي والعاق…، فقد صرّح أئمتنا بجواز توكيل من تحل ذبيحته في ذبح الأضحية وشرائها…).

المسألة السادسة عشرة: الأضحية بخروف استرالي، أو مقطوع الإلية:

 الخروف الاسترالي إذا توافرت فيه الشروط التي ذكرناه – كما سبق – تجوز الأضحية به كما تجوز بغيره، ولا سيما إذا كان عدم وجود إليته ناتجًا عن طبيعته دون تدخل من البشر كما تجوز الأضحية بالمعز وليس له إلية.

 وأما إذا كانت له إلية ثم قطعت فلا يضر ذلك عند الراجح من أقوال أهل العلم، لأن ذلك لا يؤثر في اللحم، كما لا يؤثر الإخصاء في اللحم فتجوز الأضحية بالحيوان الخصّي أيضًا.

المسألة السابعة عشرة: فوات وقت الأضحية:

 إذا فات وقت الأضحية المعينة وهي الأيام الأربعة (10، 11، 12، 13) من شهر ذي الحجة من بعد صلاة العيد أو وقتها، فقد فاتت الأضحية، وعليه أن يذبحها بعد أيام العيد وتكون حينئذٍ صدقة.

المسألة الثامنة عشرة: دفع قيمة الأضحية للفقراء بدل الذبح، لحاجتهم إلى الفلوس نقدًا أكثر من اللحم، الجواب: لا يجزئ ذلك عن الأضحية، لما يأتي:

أولاً – ذبح الأضحية شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام وأن وجودها، وتعظيمها من مقاصد الشريعة فقال تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)، كما أن ذلك كان فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، لذلك لا يجوز مطلقًا ترك هذه الشعيرة، ولا تجزي القيمة عن الأضحية.

ثانيًا- أما دفع قيمة الأضحية للفقراء بنية الأضحية، فلا تجزئ عن الأضحية كما ذكرنا.

ولكن إذا تبين أن الحاجة للفلوس أكثر وأشد، فحينئذ يدفع لهم باسم الصدقات، وحتى الزكاة بشروطها، ما يشاء، ويكون له أجره العظيم إن شاء الله تعالى.

فالشريعة قد جعلت لكل شيء ميزانًا، والأضحية شعيرة لها ميزانها، والصدقات العامة لها ميزانها، والزكاة لها ميزانها، فلا يجوز الخلط.

ثالثًا- وقد نص جمهور الفقهاء على أن الأضحية أفضل من الصدقة العامة – من حيث الظاهر- لأن الأضحية أوجبها بعض الفقهاء لقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ).

وعمومًا فالثواب هو عند الله تعالى يضاعفه لمن يشاء حسب النية والحاجة، ولكن يجب أن تبقى الشعائر قائمة. هذا والله أعلم.

المسألة التاسعة عشرة: تخصيص الأضحية بعائلة واحدة:

وتخصيص الأضحية بعائلة واحدة إنما يجوز إذا كانت العائلة كبيرة، أما إذا كانت عائلة صغيرة فينبغي أن يشرك معهم غيرهم، ليعمم الخير، وبخاصة في عصرنا الحاضر حيث المحتاجون كثيرون فلا ينبغي استئثار عائلة بذبيحة واحدة، والآخرون لا يصلهم شيء، إلاّ لمصلحة شرعية معتبرة.

المسألة العشرون: تسليم الأضاحي (حيّة) للعوائل الفقيرة، وهم يذبحونها.

أولاً – الأضحية – كما سبق- شعيرة عظيمة، تحتاج إلى النيّة وأن تذبح في وقتها الذي يبدأ من بعد صلاة عيد الأضحى يوم العاشر من ذي الحجة إلى يوم الثالث عشر من ذي الحجة.

ثانيًا –وحتى تكون الأضحية صحيحة في هذه الحالة، يمكن من خلال أحد الحليّن الآتيين:

الحل الأول: أن يقوم الشخص المضحى بذبح أضحيته في الوقت الذي ذكرناه، ثم يقوم بتسليمها إلى العائلة الكبيرة.

الحل الثاني: أن تسلم الأضحية إلى رئيس العائلة ويوكله بذبح الأضحية خلال فترة الأضحية (أي بعد صلاة العيد إلى اليوم الرابع) نيابة عن المضحي، ثم يأخذ منها ربعها، أو ثلثها، ويوزع الباقي على المستحقين.

المسألة الواحدة والعشرون: دفع قيمة الأضحية لجمعية خيرية معتبرة:

أولاً – سبق أن بينا أن دفع قيمة الأضحية بدل ذبحها لا يجزئ الأضحية، لأنه لن تتحقق بها إقامة الشعيرة من ذبح الأضحية تعظيمًا لله تعالى وإطعامًا للمحتاجين، ولذلك قلنا: لا يجوز دفع القيمة بدل الأضحية.

ثانيًا- وسبق أن أيضًا أن بينا أن الأفضل هو أن يقوم الشخص الذي نوى الأضحية بذبح أضحيته، أو يحضرها، ولكن ذلك قد يكون متعسرًا وبخاصة إذا تم ذبح الأضحية خارج البلد، لأجل وصولها إلى مستحقين أكثر.

ثالثًا- إذا نوى الشخص الأضحية بشاة أو نعجة أو معزة، أو بقرة، أو ناقة ودفع قيمتها إلى إحدى الجمعيات الخيرية المعتبرة، مثل جميعة قطر الخيرية في دولة قطر، والرابطة الإسلامية الخيرية في العراق، فقد وكلّ بذلك الجمعية الخيرية للقيام بشراء الأضحية، ثم ذبحها وكالة عن المضحي، وتوزيعها، وإخواننا في الجمعيات الخيرية الإسلامية يعرفون ذلك وينوون ذلك عند الذبح على أنه وكلاء عن أصحاب الأضاحي.

رابعًا- أما الدليل على جواز التوكيل بصورة عامة، وصحته فهو أن عقد الوكالة محل إجماع، وأما الدليل الخاص فهو ما رواه مسلم وغيرهم بسنده عن جبر رضي الله عنه قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع نحر بمنى ثلاثًا وستين بدنة، وأمر عليًا رضي الله عنه أن يذبح الباقي وهو سبع وثلاثين بدنة).

وأيضًا ما رواه أبو داود وغيره بسند صحيح عن عروة البارقي أنه: (أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم دينارًا يشتري به أضحية، أو شاة، فاشترى شاتين، فباع إحداهما بدينار، فأتاه بشاة ودينار، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى ترابًا لربح فيه)، والحديث صريح في جواز الوكالة في الأضحية.

وقد عقد الحافظ ابن حجر بابًا خاصًا في (بلوغ المرام) بجواز التوكيل في ذبح الهدْي والأضحية، واستند فيه على حديث جابر السابق الذي يدل على التوكيل في الذبح والتوزيع.

كما نص فقهاؤنا السابقون على ذلك، قال النووي: (فإن استناب جاز، بلا خلاف)، وقال الزركشي في التوكيل بالأضحية: (يجوز أن يوكل مَنْ يذبح، وينوي عنه).

فالوكيل هنا مثل المضحي الموكل فلا يجوز له أن يحتفظ بجلد الأضحية أو نحوه على سبيل الأجرة، أو غيرها، ولكن له الحق أن يأخذ حصته من اللحم مثل بقية المستحقين.

ودائمًا نوصي الجمعيات بالالتزام بالشروط والضوابط الشرعية الخاصة بالوكيل، من وجوب شراء الأضحية الصحيحة شرعًا، والالتزام بشروطها، ووقت ذبحها، والنيّة لأصحابها، وتفريق لحوم الأضاحي بالكامل على الفقراء والمحتاجين، وبذلك تكون قد أدت ما عليها.

هذه بعض المسائل المهمة التي أردت بيانها، وقصدي من ذلك سعة الشريعة، وأهمية المقاصد والتقوى وضرورة تقديمهما على الشكل والمبنى، وأهمية العناية القصوى بالكليات مع رعاية الجزئيات والوسائل، ولكن مع ملاحظة وزن كل واحدة (فأعطوا كل ذي حق حقه) بالكامل.

آخر الفتاوى