الحكومة في سري لانكا تدّخر أموالاً تنمو بفائدة لموظفيها…

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد

فقد جاءني من الأخ الفاضل الأستاذ منصور أبو صالح / السنغال، الأسئلة الآتية:

(أنا أخوكم منصور أبو صالح من سري لانكا أستفتيكم في أمر مهم. أنتظر منكم الفتوى على أقرب وقت ممكن.

صندوق المال للعمل والموظفين لدي الحكومة أو المؤسسات الأهلية غير الحكومية

هناك قانون ملزم في سري لانكا بموجبه يدخر للعمال والموظفين لدى قسم من البنك المركزي نسبة معينة من راتبهم يعني يقطع من راتب العامل أو الموظف نسبة مئوية وكذلك على المؤسسة أن تضع نسبة معينة مئوية في هذا المال. وهذا المال ينمو في كل شهر بهذا وكذلك بما يضاف إليه من ربا.

وذلك المال المدخر في الحكومة لا يستطيع العامل أو الموظف ان يتصرف فيه ولا أن يأخذ منه شيئًا. عند بلوغه خمسة وخمسين من العمر يحق له أن يأخذ هذا المال. والمشكلة أن هذا المال يعطى مع ما يضاف إليه من مال ربوي، وكثيرًا ما يكون هذا المال الربوي هو الأكثر وربما يخرج العامل من العمل وهذا المال المدخر ينمو بفعل الربا، وعندما يأخذ ماله عند أوانه ربما يكون المال الربوي خمسة أضعاف من ماله الأصلي. والعمال والموظفون ينتظرون هذا المال لبناء بيت أو زواج بنت أو سداد دين لأنه لا يستطيع أن يقضي هذه الحاجات برواتبه الشهرية من دون هذا الادخار.

وهل يحلّ للعامل المسلم أن يأخذ هذا المال كله أصله وما أضيف إليه من مال ربوي؟ وماذا ينبغي أن يعمل بهذا المال؟ هذه مشكلة عمت في البلد. كل عامل أو موظف يسأله. إنكم بفتواكم ستريحون قلوب كثير من المسلمين. ننتظر منكم جوابًا شافيًا وسأنشر فتواكم في الصحف والمجلات حتى تعمّ الفائدة.

جزاكم الله خيرًا عن المسلمين في سري لانكا).

الجواب:

 إن هذا المال الذي تفضلتم به هو داخل ضمن الضمان الاجتماعي الذي تتكفل به الدولة في معظم العالم، وتطلب من العامل أو الموظف أن يساهم بجزء.

وهذا المال ليس ناتجًا عن الربا، ولذلك لا يكون المال المعطى له عند التقاعد أو سنّ معينة مرتبطًا بما دفعه، فقد يكون أكثر منه خمسة أضعاف – كما ذكرتم – وإنما هو مرتبط بقانون التقاعد، أو الضمان الاجتماعي، وإلاّ فلو كان ذلك مرتبطًا بالربا والفائدة كانت الدولة تجمع ذلك المال وتضيف إليه الفائدة فقط، وحينئذ لما وصل إلى الضعف حتى لو بقي عشرين سنة.

 فما يدفعه العامل أو الموظف هو مجرد مساهمة تدخل في ذمة الدولة، ثم تلتزم الدولة بما قرره القانون الخاص بالضمان الاجتماعي أو التقاعد، فتدفع المبلغ المطلوب وهكذا الحال في معظم الدول الإسلامية، ولذلك صدر قرار من مجمع البحوث الإسلامية في مؤتمره الثاني ينص على: (أن نظام المعاشات الحكومي، وما يشبهها من نظام الضمان الاجتماعي المتبع في بعض الدول، ونظام التأمينات الاجتماعية المتبع في دول أخرى، فكل هذه من الأعمال الجائزة) لأنها قائمة على التعاون والتكافل، حيث إن العلاقة بين الموظف أو العامل وبين الحكومة، أو المؤسسة لا تقوم على الاسترباح وإنما على المساعدة والتعاون على البر والتقوى والتكافل.. يراجع للمزيد، كتاب: التأمين الإسلامي التكافل للدكتور علي محيى الدين القره داغي (37/1) ط. دار البشائر الإسلامية / بيروت.

 والخلاصة أن هذا المال الذي يأخذه العامل أو الموظف من الدولة، أو المؤسسة مال من باب الضمان الاجتماعي والتعاون، والتكافل ومن واجبات الدولة، وليس مالاً ربويًا، وما مساهمته بجزء من المال إلاّ مجرد تعبير بالالتزام بالنظام، ولذلك فهو إجباري في معظم الدول.

 فذلك المال حلال إن شاء الله تعالى لا غبار عليه، بل أنصح المسلمين أن لا يحرموا أنفسهم من هذا النظام، لأن الإسلام دين القوة وهو يزيد المسلم ولا ينقصه ولا يضعفه أبدًا وأن الإسلام لا يحرم الطيبات والمصالح الحقيقية أبدًا وإنما يحرم الخبائث والمضار والمفاسد فقال تعالى في وصف هذا الدين: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [سورة الأعراف: 157].

هذا والله أعلم

 كتبه الفقير إلى ربه

 أ.د. علي محيى الدين القره داغي

 الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

ونائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

آخر الفتاوى