الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد
فمما لا شك فيه أن الأحسن والأفضل (بل المطلوب) أن يكون البنك كله إسلاميًا، ولكن يجوز فتح فروع إسلامية لبنوك تقليدية بالضوابط الآتية:
1- أن تصدر الموافقة بإنشاء فرع إسلامي من الجمعية العمومية للبنك، ثم من الجهات الحكومية (مثل مصرف قطر المركزي ووزارة الاقتصاد). وذلك حتى يكون للفرع رسميته وشخصيته القانونية.
2- أن يخصص مبلغ مناسب من رأس مال البنك للفرع الإسلامي.
3- أن يكون للفرع إدارته المستقلة من حيث الجانب المالي ونحوه، بحيث يكون الفرع مرتبطا بلجنة تنفيذية من مجلس الإدارة أو نحو ذلك، بحيث يكون للفرع الإسلامي قدرته على اتخاذ القرارات المناسبة دون خضوع لما يخص البنك التقليدي من تصرفات وآليات وائتمانات واعتمادات قد لا تتفق مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء.
4- أن تكون للفرع ميزانيته الداخلية المستقلة من حيث الأسس والضوابط والمصطلحات الإسلامية التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية.
5- عدم الاختلاط بين الحلال والحرام من الأموال.
6- الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء ومبادئها التزاما كاملا من خلال وجود هيئة للفتوى والرقابة الشرعية، ووجود تدقيق شرعي قوي وأمين، متخصص ومخلص.
إشكال وجوابه:
بقي أن أشير إلى تساؤل الكثيرين حول الأموال التي أخذت أساسًا من البنوك الربوية نفسها أليست حراما؟!
للجواب عن ذلك قلنا ونقول ما يأتي:
أولاً: هذه الأموال جزء من رأس مال البنك الذي هو حلال في ذاته كما قال الله تعالى: “فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون” (البقرة:….)، وإنما المحرم هو الربا، أي الزيادة على رأس المال التي يسمونها فوائد. وقد أجاز علماؤنا التعامل في مثل هذه الحالات ما دام التعامل نفسه حلالا.
ثانيًا: أن النقود لا تتعلق الحرمة بذاتها، فالريالات التي في جيب أحد قد انتقلت عشرات المرات، وقد يكون بعضها عن طريق الحرام، ومع ذلك لا يقول أحد بأنها حرام.
وذلك لأن فقهاءنا قالوا: إن الحرمة في النقود تتعلق بذمة صاحبها، ولا تتعلق بالنقد ذاته، وبالتالي فإذا انتقلت هذه النقود إلى شخص بعقد حلال أو بطريقة مشروعة فإنها ليست محرمة.
ثالثًا: إن علماءنا يقولون: إن تحول الأيدي له تأثير في الحل والحرمة مع بقاء الشيء على حاله، ويستدلون في ذلك بالحديث الصحيح المتفق عليه أن بريرة – جارية أم المؤمنين عائشة التي أعتقتها فيما بعد- قد تُصُدِّقَ عليها بلحم، ثم قامت هي بإهدائه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وحينئذ جاءت عائشة فطلبت منه أن لا يأكل من هذا اللحم لأنه صدقة، وهي محرمة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: لا، إنها صدقة لها، وهدية لنا.
ولهذا فهذه الأموال حتى لو كانت للبنوك الربوية، فما دامت وصلت البنك الإسلامي بطريق عقد مشروع، أو طريقة مشروعة، فهي حلال دون شبهة إن شاء الله تعالى.
كتبه الفقير إلى ربه
أ.د. علي محيى الدين القره داغي