السؤال: وصلنا من الإخوة أصحاب المصانع في سوريا، وهذا نصه:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
نحن أصحاب مصانع في سوريا بمجال الغزل والنسيج ويوجد لدينا مصانع تقع خارج سيطرة النظام ومصانع تقع تحت سيطرة النظام وجميعها متوقفة منذ عام 2012.
وموضوعنا يتعلق بالمصانع التي تقع خارج سيطرة النظام شمال حلب قرب الحدود التركية والتي يعمل فيها حوالي /750/ عامل وهم مسجلون لدى التأمينات الاجتماعية لدى النظام وكانت تقتطع هذه التأمينات من أصحاب العمل على مدى السنوات السابقة منذ ما يزيد عن عشرة سنوات، وقد توقفت هذه المصانع في الشهر السادس من عام 2012 نتيجة الظروف الحالية التي تمر بها سوريا وذلك نتيجة عدم تمكن وصول العمال الى مكان العمل نظرا للخطر المحدق بهم من جهة ولاستحالة العمل من جهة أخرى ضمن هذه الظروف، وقد استمر أصحاب العمل بدفع جزء من الراتب مع بعض المعونات في البداية كان 80% من الراتب ثم تناقص تدريجيا ليصبح 50% وذلك لغاية الشهر العاشر من عام 2013 وبدون عمل. وتم توقيف الرواتب بعد هذا التاريخ نظرا لعدم قدرة أصحاب العمل في الاستمرار بدفع الرواتب، ما عدا بعض العمال من نفس المنطقة كانوا يقومون بأعمال حراسة ويتقاضون راتبا كاملا عن ذلك حتى تاريخه.
وعند استيأس أصحاب العمل بإمكانية عودة العمل في سوريا وخوفا من أن يقصف النظام هذه المصانع فيدمرها نظرا لكونها خارج سيطرته وكذلك خوفا من نهبها وسرقتها في حال تغير موازين القوى على الأرض، حيث تمت سرقة أجزاء من المصانع التي تقع تحت سيطرة النظام من قبل شبيحته وأعوانه وتم تدمير جزء منها نتيجة الحرب، وكذلك نظرا لوجود قرارات حجز بالأموال المنقولة وغير المنقولة بحق أصحاب المصانع صادرة من مخابرات وسلطات النظام.
وخوفا من مأل المصانع الواقعة خارج سيطرة النظام الى ما ألت اليه المصانع التي تقع تحت سيطرة النظام، بدأ أصحابها يفكرون بنقل هذه الآلات الى تركيا وتشغيلها في تركيا وتوظيف من يرغب من نفس العمال بالعمل في تركيا لتأمين مصدر رزق واعانة للسوريين بشكل أساسي. فاعترض على نقل الآلات بعض العمال السابقين من أهالي المنطقة المحيطة بالمصانع ومنعوا خروج هذه الآلات وقدموا شكاوى الى هيئات المحاكم المشكلة في المنطقة وأصدرت قرار بمنع النقل بحجة وجود حقوق للعمال وهي تعويض مكافأة الخدمة بحجة أنه لا يمكنهم الذهاب الى مناطق النظام وأخذ تعويض نهاية الخدمة منه وكذلك المطالبة بأجور ورواتب عن أشهر توقف الرواتب من تاريخ شهر العاشر 2013 وحتى تاريخه.
على ضوء الواقع المذكور أعلاه يرجى التفضل بيان ما يلي:
1- ما هي الحقوق العمالية التي يحق للعمال المطالبة بها شرعا وعرفا وعدلا في هذه الظروف القاهرة على الطرفين؟
2- هل يحق للعمال المطالبة بأي رواتب عن الفترة التي توقف بها المصنع عن العمل لأسباب قاهرة؟
3- هل يجوز للعمال منع خروج الآلات بالقوة مع العلم بأنه تم تقديم كفلاء لهيئة المحكمة تضمن سداد أي حق يظهر نتيجة الشكاوى؟
يرجى التفضل بالإفادة واعطائنا الحكم الشرعي المعتمد من قبل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بما ذكر أعلاه حفظكم الله شاكرين جهودكم
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن أصحاب العمل
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد فبناءً على ما احتواه السؤال من المعلومات التي يبنى عليها الجواب الشرعي فتقول:
أولاً: إن مما لا شك فيه أن الشعب السوري الشقيق يمر بظروف صعبة للغاية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، وأن الحرب المدمرة التي شنها النظام قد خلّفت آثارًا خطيرة على الشعب من مختلف نواحي الحياة.
وبالتالي فإن نظرية “وضع الجوانح” في الفقه الإسلامي أو نظرية الظروف القاهرة، الطارئة، أو نظرية الاعتذار في عقد الإجارة لدى السادة الحنفية متوافرة في أماكن كثيرة داخل سوريا. (يراجع المبسوط (16/2) والبدائع 4/197) والدسوقي (4/30-33) وشرح المحلى (3/87) والمغني (6/30).
فمن المعلوم أن العقد الصحيح اللازم لا يجوز فسخه إلا بتوافق الطرفين، ومع ذلك فإن عقد الإجارة يجوز فسخه للطرف المتضرر بسبب الأعذار عند جماعة من الفقهاء، وكذلك اتفق الفقهاء على أن العقد الصحيح يترتب عليه آثاره وأن يجب على كل طرف الوفاء بما عليه من الالتزامات، مع ذلك فإن الرسول قد أمر بوضع الجوانح، حيث روى مسلم وغيره بسندهم عن جابر قال: (إن النبي أمر بوضع الجوانح) – صحيح مسلم الحديث 1554، وأبو داود، الحديث 3374، وابن حبان 5031 وفي رواية صحيحة أخرى لابن حبان في صحيحه الحديث (5034) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بعت من أخيك تمرًا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ من مال أخيك بغير حق؟)
وقد عمم جماعة من الفقهاء نظرية الجوائح لتشمل جميع الحالات المتشابهة كما أنهم قاسوا عليها حالة الحرب.
والفقهاء متفقون على أن منافع العين المستأجرة أو الشخص الأجير فإن الإجارة المعينة تبطل (المصادر الفقهية السابقة).
ثم إن الحنفية وغيرهم أجازوا فسخ عقد الإجارة من طرف المتضرر بالأعذار التي تتعلق بالمؤجر، أو المتاجر، والعين المستأجرة إذا ترتبت على ذلك ضرر (يراجعن بدائع الصنائع (4/197) والمبسوط (16/2).
وبناءً على ذلك ومقارنةً بالأوضاع السائدة في سوريا فإن الأعذار الداعية إلى فسخ التأجير أو عقد العمل متحققة، وكذلك فإن نظرية الجوائح عند من عممها أيضًا متوافرة، وبالتالي فيجوز لأصحاب المصانع المذكورة في السؤال أن يفسخوا عقد العمل مع هؤلاء العمال، ولكن نوصيهم بتقوى الله تعالى واللطف والرفق والإحسان في التنفيذ.
ثانيًا: الحقوق العمالية التي يحق للعمال المطالبة بها هي ما يأتي:
1- رواتبهم التي لم يأخذوا والتي كان العمال قد عملوا فعلاً، فهذه الرواتب أصبحت دينًا في ذمة أصحاب الشركات.
ما تضمنه العقد من حقوق أخرى ثابتة لهم أثناء العمل.
ثالثًا: إذا كانت هذه المصانع قد توقفت فعلاً بسبب ظروف الحرب، فإن العمال لا يستحقون الرواتب إلا الذي عمل حارسًا أو نحوه، أما الذي لم يعمل بسبب ظروف الحرب فلا يستحق الأجر شرعًا.
رابعًا: أما مكافأة الخدمة فإذا كانت قد دخلت في التأمينات الاجتماعية لدى النظام فلا يجب على أصحاب المصانع أن يدفعوها لهم، بل يبقى هذا الحق قائمًا إلى أن تتحرر سوريا من هذا النظام، وحقهم لا يسقط شرعًا ولا قانونًا.
خامسًا: وبناء على ما سبق فلا يجوز للعمال منع خروج الآلات بالقوة ما دام قد تم تقديم كفلاء لهم، أو لهيئة المحكمة يضمنون سداد أي حق يظهر نتيجة الشكاوى، وذلك لأن هذا يسبب أضرارا بأصحاب المصانع ومنعًا للتشغيل، وهذا غير جائز شرعًا، بل ننصحهم بتقوى الله، وبالرفق والمساعدة لتعود هذه المصانع إلى الإنتاج في أي مكان آخر، وفي ذلك نفع خاص وعام.
هذا والله أعلم.
كتبه الفقير إلى ربه
أ.د. علي القره داغي