السلام عليكم ورحمة الله
إننا نعيش في ولاية آسام، وهي إحدى الولايات الهندية. والهند وطن علماني معروف، وفى نفس الوقت، توجد في بعض الولايات لها “الإمارة الشرعية الإسلامية”، وهي قائمة هنا منذ عصر طويل، وهذه الإمارات الشرعية تعملون هناك تسجّل أسمائها مثل الجمعيات الخيرية من الحكومة الهندية. ففي ولايتنا آسام، أسست “الإمارة الشرعية” في السبعينات الميلادية الماضية، ويرأسها “أمير الشريعة” للإمارة الشرعية. تجري تحت هذه الإمارة أدوار القضاء وبيت المال والكتّاب الإسلامية وغيرها من المنظمات الإسلامية.
وإننا (أركان الإمارة وعمالها) نخرج الصدقات الواجبة من أصحاب المال وندفعها في بيت المال ثم نصرفها إلى المستحقين (مصارف الزكاة) وهذه كلها بإمارة أميرنا الشريعة. قد نهضت هنا الآن الأسئلة التالية عن إخراج بيت المال في دولة علمانية. (أ) هل للأمير للإمارة الشرعية حق الولاية في جباية الزكاة مثل أولياء الأمر في الدول الإسلامية؟ أي- ما هي مكانتها في إخراج الصدقة الواجبة في ضوء الفقه الاسلامي- ولي الأمر أم وكيلا؟ إن ولايته ثابتة- فهي خاصة بالأموال الظاهرة أم يشمل على الأموال الباطنة أيضًا؟ (ب) هل برئت ذمة المصدقين بدفع الصدقة الواجبة إلى بيت المال للإمارة الشرعية أم بعد تقسميها بين المستحقين؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
نهديكم أسمى عبارات التقدير والاحترام، ونتمنى أن تكونوا في خير وعافية ومزيد من التوفيق والسداد وبعد..
أولاً: الزكاة في الإسلام فريضة شرعية على كل من تتوفر فيه الشروط المطلوبة من تحقق الملكية التامة والنصاب ونحوها.
ولا تتأثر هذه الفريضة بكون الشخص يعيش في دولة علمانية أو إسلامية لأن النصوص الشرعية في الكتاب والسنة لم تفرق فقال تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43))”سورة البقرة”، وقد فرق الله تعالى بين الزكاة والصلاة في عدد كبير من الآيات القرآنية، فكما أن الصلاة فريضة واجبة على كل مسلم ومسلمة إذا توافرت شروطها، وأركانها، فكذلك الزكاة فهي الركن الثالث والفريضة المطلوبة من كل مسلم إذا توافرت أركانها، وشروطها.
بل إن الله تعالى اشترط لتحقيق الأخوة في الإسلام التوبة إلى الله تعالى وإقام الصلاة، وايتاء الزكاة فقال تعالى (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ۗ (11))”سورة التوبة”،
ثانيًا: إن المسؤولية في الإسلام منوطة بالاستطاعة فقال تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (16))”سورة التغابن”، وقال تعالى (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا(286))”سورة البقرة”.
وبناء على ذلك فإذا لم توجد دولة إسلامية أو لم تقم الدولة بواجب الجمع فإن الواجب الأساسي سيبقى هو وجوب قيام كل واحد زكاته إلى المستحقين إما بنفسه أو عن طريق بيوت الزكاة، والجمعيات الخيرية كما هو الحال في معظم البلاد العربية والإسلامية.
ثالثًا: لم يشترط أحد من الفقهاء – حسب علمنا – لربط الزكاة بالدولة، نعم هذا واجب الدولة الإسلامية، فإذا لم تقم هي بهذا الواجب -كما هو الحال في معظم الدول الإسلامية – أو أن الدولة علمانية – فإن الواجب هو أداء هذا الواجب بما هو الأفضل والأنفع.
رابعًا: وبناء على ذلك فإن وجود إمارة شرعية – ولو كانت داخل دولة علمانية، او كافرة – تقوم بجمع الزكاة وصرفها بالعدل وحسب الضوابط الشرعية وبمشورة أهل العلم والفضل.
فهذا أمر طيب ومقبول وليس فيه مخالفة لشرع الله تعالى.
وقد صدرت فتاوى جماعية من الندوات والمؤتمرات انصبت على أنه يجوز للجمعيات الخيرية، وصناديق الزكاة (داخل أي دولة مسلمة أو غير مسلمة) أن تقوم بجمع الزكاة وصرفها ما دامت تتصرف وفق الضوابط الشرعية وتحت إشراف أهل العلم.
خامسًا: إن الأمير في الولاية يقوم بتنفيذ الواجب الشرعي وبالتي لا يحتاج إلى أن يكون أميرًا في ظل دولة إسلامية.
سادسًا: الجمع جائز عند جمهور الفقهاء للأموال الظاهرة والباطنة، وهذا هو الأصل الذي كان مطلقًا في عهد الرسالة، وعصر الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر، وصدر من خلافة الخليفة الراشد عثمان، ثم لما رأى عثمان قلة الفقراء في عصره ترك للأغنياء أن يدفعوا زكاة أموالهم الباطنة بأنفسهم.
وبالتالي فالإمارة، أو الجمعية الخيرية لها الحق في أخذ الأموال الظاهرة والباطنة دون إجبار أو إكراه لأحد، لأن الإلزام بالدفع حق للدولة، ولكن لو وضع نظام إلزامي والتزم به الناس فأصبح هذا الالتزام الطوعي ملزما لمن يلتزم بسبب التزامه.
وهنا ملحوظة مهمة:
إذا كانت الإمارة الشرعية في ولايتكم لها حق الإلزام في الأمور الدينية حسب النظام المعتمد من الدولة، أو من حكومة الإقليم، أو برلمانها فإن للإمارة الحق في إصدار نظام (قانون) يلزم به الناس لدفع أموال الزكاة الظاهرة والباطنة.
سابعًا: إن مقاصد الشريعة ومصالح العامة تقتضي أن تجمع الزكاة في الولاية عن طريق جهة رسمية عادلة تقوم بعملية الجمع، والتوزيع بعدل وحسب ضوابط الشريعة وبمشورة علماء الولاية، أو لجنة من خيارهم.
هذا والله أعلم
كتبه
أ.د. علي محيي الدين القره داغي