بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد
مواقيت الصلوات والصيام
(الترجيح عند تساوي الأدلة، يكون بالتيسير فهو مقصد شرعي)
فقد وصلتني رسالتكم التي حملت بين طياتها سؤالكم المشفوع ببعض المعلومات العلمية حول موضوع الأوقات في مدينة آخن، وقد قمت بدراسة الموضوع من جميع جوانبه، واستشرت كذلك بعض إخواني العلماء، فتوصلت إلى ما يأتي:
أولاً – ما تم فعله في السابق من أوقات الصلوات والصيام حسب الاجتهاد السابق، فهو اجتهاد يؤجر عليه صاحبه عليه بإذن الله تعالى، وان الذين طبقوه لن يضيع الله ثواب صلواتهم، وصيامهم، ولن يقل فقد قال تعالى عندما تغيرت القبلة إلى المسجد الحرام: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) سورة البقرة / الآية 143 أي صلواتكم، وكما قال عمر رضي الله عنه في اجتهادية المختلفين: (هذا على ما قضيت وهذا على ما نقضي).
ولذلك فالذي أرجوه ان لا ينشغل الاخوة بالماضي، وإنما بالحاضر، فديننا دين الرحمة والوحدة والخير، وان لوحدة الجماعة أهمية قصوى حتى سجل الله تعالى موقف هارون عليه السلام، من قومه الذين اتخذوا العجل إلهًا، فصبر عليهم حفاظًا على وحدة الأمة فقال: (إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) سورة طه / الآية 94.
ثانيًا- ان ديننا العظيم (الإسلام) يقوم على التبشير في الدعوة، والتيسير في الفتوى والأعمال فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشّروا ولا تنفرّوا) رواه البخاري في صحيحه، الحديث رقم 6125، ومسلم الحديث رقم 1734 وقال الله تعالى وهو يتحدث عن الصيام: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) سورة البقرة / الآية 185.
فلذلك ينبغي عند تساوي الأدلة ان يكون الترجيح أيضًا بالتيسير على الناس، فهو مقصد شرعي منشود.
ثالثًا- إن المعايير الأساسية لمواقيت الصلوات والصيام، وفقًا لإحدى الحالات الثلاث الآتية:
الحالة الأولى: حالة ظهور العلامات،
حيث يجب في هذه الحالة تطبيق المعايير الشرعية المقررة لدخول أوقات الصلوات، وانتهائها ودخول وقت الصيام بتعيين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وانتهائه بدخول الليل فقال تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ) سورة البقرة / الآية 187.
الحالة الثانية: حالة الغياب الكلي للعلامات، وإطباق الليل أو النهار لساعات النهار والليل كما هو الحال في المناطق القطبية،
ففي هذه الحالة ليس أمامنا إلاّ التقدير اعتمادًا على الحديث الصحيح الوارد بشأن المسيح الدجال في ضرورة التقدير، فقد روى مسلم في صحيحه الحديث 2937 في حديث طويل، وفيه: (قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: (أربعون يومًا، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم) قلنا: يا رسول الله: فذلك اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: (لا، اُقُدُروا له قدره…).
وهذا التقدير فيه سعة من حيث الاجتهاد المقبول فيمكن ان يكون التقدير بأقرب البلاد التي تظهر فيها العلامات، ويمكن أن يكون بحساب مكة، ويمكن بالحساب الذي كان موجودًا في المنطقة قبل غياب العلامات.
الحالة الثالثة: هي حالة الاضطراب في العلامات او غياب العلامة لبعض الأوقات مثل العشاء والفجر،
ففي هذه الحالة أود أن أذكر مجموعة من الضوابط والمعايير، من أهمها:
1- أن هذه الحالة يكون الحكم فيها اجتهاديًا، وليس نصيًا بالكامل، وبالتالي فجميع الاجتهادات المبنية على أسس علمية وفلكية، مقبولة ما دامت لا تتعارض مع نص شرعي ثابت قطعي الدلالة والثبوت، مثل الإفطار في نهار رمضان والشمس حية قائمة.
2- وبناء على ما سبق فإن الاجتهادات المقبولة السابقة يرجح أحدها على الآخر بالتيسير، لأنه مقصد عام منصوص عليه – كما سبق -.
3- ان يبقى الأصل العام في الاعتماد على الدرجة 18 قبل الشروق، والعشاء على الدرجة 17 بعد الغروب، ويكون الاستثناء الخروج من هاتين الدرجتين لمبررات معقولة.
فقد نص قرار المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث (قرار رقم 40 (1/11) على جواز الاعتماد على الدرجتين السابقتين وعلى درجة 12 لصلاتي الفجر والعشاء المطبق في بعض البلاد الأوروبية.
الفتوى:
بناء على كل ما سبق، ودراستي للمعلومات التي أرسلت إليّ، ومتابعتي الشخصية لهذا الموضوع منذ عدة سنوات فقد تبيّن لي: جواز الاعتماد على طريقة ثلث الليل الفلكي القائمة على خوارزمية الحساب التالية لحساب موعدي العشاء والفجر وفقًا للأسس الآتية:
1- نحسب أولاً أدنى درجة انخفاض للشمس في كل ليلة نريد حساب موعدي الفجر والعشاء فيها ثم نستخرج ثلثيها (ثلثا نصف الليل هما ثلث الليل)
2- إذا كانت قيمة الثلثين أصغر أو تساوي الدرجة -18 حسبنا الفجر على الدرجة -18
3- إذا كانت قيمة الثلثين أصغر أو تساوي الدرجة -17 حسبنا العشاء على الدرجة -17
4- إذا كانت قيمة الثلثين أكبر من الدرجة -18 حسبنا الفجر على درجة الثلثين.
5- إذا كانت قيمة الثلثين أكبر من الدرجة -17 حسبنا العشاء على درجة الثلثين.
طريقة تقييم طريقة ثلث الليل الفلكي:
أ- لا تلجأ إلى الحساب البديل إلا عند الحاجة إليه.
ب- المحافظة على وظيفة الليل فيبقى الليل سكنًا إذ صار لوقت السكن أطول الأثلاث الفلكية زمنًا وبالطبع أوسطها. ففي مدينة آخن في 21/6/2018 تكون مدة الثلث الأول والثالث من الليل قرابة 29:1 ساعة، بينما يمتد الثلث الفلكي الثاني قرابة 15:4 ساعة في ليل طوله حوالي 13:7 ساعة.
ج- تنتقل من الحساب المعتمد إلى الحساب البديل وبالعكس من غير قفزات في التوقيت بين الأيام المتتالية.
والخلاصة:
أن هذه الطريقة مقبولة علميًا، ولم أجد فيها أي مخالفة شرعية فلا تصطدم مع نص شرعي أو واقع علمي، بل فيه التيسير ورفع الحرج.
ومع ذلك أنصح اللجنة بدارسة التوقيت التركي السائد، فإذا كان محققًا للغرض فهو فيه فائدة أخرى وهو جمع المسلمين العرب مع الأتراك في تقويم واحد.
هذا والله أعلم بالصواب، ونسأله تعالى ان يغفر عن زلاتنا ويعفوا عن سيئاتنا، ويجعل اجتهادنا واجتهاد إخواننا في مدينة آخن وغيرها اجتهادًا مقبولاً، وسديدًا، وان لا يحرمنا من الأجرين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه الفقير إلى ربه
أ.د. علي محيى الدين القره داغي
الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث