وهكذا الأمر في مسألة الفقر والجوع والزهد عن الدنيا، والغني وحب الدنيا، حيث وردت مجموعة من الأحاديث في الأمرين والمقصود بهما في النهاية هو أن السعي لتحصيل المال والغنى خير مطلوب في سبيل الله، ودعم الجهاد، ما دام صاحبه يخرج عنه حق الله تعالى وحق عباده، وأنه يصرفه في وجوهه، وأنه لا يطغى به، بل يكون شاكرًا عابدًا لله تعالى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب الغني التقي الخفي)[1] ولكن الغنى يصبح شرًا وفتنة إذا طغى به صاحبه واستغنى وتكبر وتجبر، وصرف غناه في سبيل الشر والطغيان، أو لم يؤد حقوق الله تعالى والعباد، ولم يصرف في وجوهه التي أمر الله تعالى بها.
بل إن الإسلام جاء بمصطلح جميل وهو أن الزهادة في الدنيا ليست بترك الدنيا، وإنما بعدم انشغال القلب بها، وجعلها أكبر الهموم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا اضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق مما في يد الله، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها أقيت لك)[2] فهذا الحديث أعاد الزهد إلى الجانب القلبي الذي يجب أن يكون مشغولاً بذكر الله تعالى وأن يكون واثقًا بما عند الله أكثر مما هو واثق مما في يديه، وأن يكون تحقيق الثواب في المصيبة هو الهمّ الأكبر.
وقد أوردت كتب الحديث عددًا من هذه الأبواب، إذا نظرت إليها نظرة شمولية، وجمعت بعضها إلى البعض يظهر لك ما ذكرناه، فمثلاً ذكر الامام النووي: باب فضل الزهد في الدنيا، والحثّ على التقلل منها، وفضل الفقر، ثم أورد عددًا من الآيات منها قوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[3].
والتحقيق أن هذه الآية تصور الحياة الدنيا حينما تكون منفردة عن البحث عن الحياة الآخرة، حيث تكون حينئذٍ متاع الغرور، ولكن يمكن تحويلها إلى مزرعة الاخرة، وسبب تعميرها وشراء الجنة بالإيمان والجهاد والعمل الصالح، وبالتالي تحقيق السعادة للدنيا والآخرة.
ثم ذكر أحاديث كثيرة حتى قال الامام النووي: (وأما الأحاديث فأكثر من أن تحصر، فننبه بطرف منها على ما على سواه)[4] ونحن أيضًا نذكر بعض ما ذكره مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أبشروا، وأمّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها، كما تنافسوا، فتهلككم كما أهلكتهم)[5].
والحديث ليس في ذم الغنى من حيث هو، وإنما في ذم الغنى الذي يصل إلى التنافس، وبالتالي الهلاك.
ثم ذكر النووي باب فضل الجوع وخشونة العيش، والاقتصاد على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفوس وترك الشهوات، فأورد فيه عددًا من الآيات والأحاديث كلها تدل على تربية المؤمن على القناعة والرضا والصبر بالقدر والقضاء، وحينئذ يكون الأجر والثواب، بل إن كلها في تعلق القلب بالدنيا وشهواتها وإرادة الحياة الدنيا وتفضيلها على الآخرة، فقال تعالى في قارون: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ)[6] فالمؤمن يتعلق بالآخرة وثوابها، ويسعى لها في الدنيا من خلال تعميرها وانفاق الأموال فقال تعالى: (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[7].
بل إن القرآن الكريم يرشدنا بقوة ويربينا بكل الوسائل لتحقيق هذا الدعاء وهو: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[8] وعلق الله تعالى على هؤلاء الذين يدعون بهذا الدعاء بقوله: (أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[9] وبين بأن الذمّ لهؤلاء الذين يحصرون دعاءهم على حسنة الدنيا حيث قال تعالى: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)[10].
ثم أورد النووي: باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والانفاق وذم السؤال من غير ضرورة، فأورد فيه آيات وأحاديث كثيرة، ثم أورد باب الحث على الأكل من عمل ديه… وباب الكرم والجود والانفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى، فأورد فيه آيات وأحاديث كثيرة تدل بوضوح على فضل المال الذي ينفق في سبيل الله، ويكفي أن الانفاق في سبيل الله (أي وجوه الخير كلها) يذكر قبل الجهاد في النفس، وأنه يؤدي إلى حشر صاحبه في ظل عرش الله أو رعايته وعنايته يوم لا ظل إلاّ ظله، وأنه خير الإسلام، وأنه سبب لدخول الجنة ووقاية من النار…..الخ[11].
بل أورد النووي: باب لفضل الغني الشاكر، فأورد فيه عددًا من الآيات، منها قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)[12] ثم قال النووي: والآيات في فضل الانفاق ي الطاعات كثيرة معلومة.
بل إن الأحاديث النبوية الشريفة تدل على أن الغني الشاكر أفضل عند الله تعالى من الفقير الصابر، وذلك لأن خير الغني الشاكر لنفع الناس، وخير الناس أنفعهم للناس، فقد روى البخاري ومسلم بسندهما عن وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان فقراء المهاجرين اتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: (ذهب اهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم، فقال: ”وما ذاك؟ ” فقالو”: يصلون كما نصلى، ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فلا اعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون احد افضل منكم الا من صنع مثل ما صنعتم؟” قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تسبحون، وتكبرون، وتحمدون، دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة” فرجع فقراء المهاجرين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالو: سمع اخواننا اهل الاموال بما فعلنا، ففعلوا مثله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) متفق عليه[13] .
والخلاصة أن المال من حيث هو نعمة وخير، ولكنه يختلف باستعماله، وأنه سلاح ذو الحدين فإذا استعمل في الخير كان خيرًا، وإذا استعمل في الشرّ فهو شر وفتنة، ولذلك عقد العالم الرباني الزاهد المعروف بابن أبي الدنيا (ت281هـ) بابًا لفضل المال[14] وبدأ برواية حديث (نعم المال الصالح للمرء الصالح)[15] ثم أورد عدة أحاديث في فضل المال، وكما روى عن بعض الصحابة والتابعين فيه، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحسب المال، والكرم التقوى)[16] وعن عمر قوله: (وإن يكن لك مال لك شرف…)[17] وقوله في خطبته: (… أصلحوا هذا المال فإنه خضرة حلوة وإن هذا المال يوشك أن يصير إلى الأمير الفاجر، أو التاجر النجيب)[18] وعن الصحابي قيس بن عاصم المنقرى: (…وعليكم بالمال فاستصلحوه، فإنه منهبة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم)[19] وعن سعد بن عبادة دعاءه: (اللهم ارزقني مالاً أستعين به على فعال فإنه لا فعال إلاّ المال)[20] وعن سعيد بن المسيب قوله: (لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حله، يكف بها وجهه عن لناس، ويصل به رحمه، ويعطي منه حقه) وقوله: (ينبغي للعاقل أن يحب حفظ المال في غير امساك، فإنه من المروءة، يكف به وجهه، ويكرم نفسه، ويصل منه رحمه)[21] وعن محمد بن المنكدر قوله: (نعم العون على الدّين الغنى)[22]وعن فضيل بن عياض عن سفيان الثوري قال: (كان من دعائهم: اللهم زهدنا في الدنيا ووسع علينا منها، ولا تزورها عنا فترغبنا فيها)[23] وعن داود عليه السلام قوله: (نعم العون اليسار ـ أو الغنى ـ على الدين)[24]، وعن سفيان قوله: (المال في هذا الزمان سلاح للمؤمن)[25]، وعن الحسن قوله: (ليس من حبك للدنيا طلبك ما يصلحك فيها)[26]، وعن أبي صالح الأسدي: (وجدت خير الدنيا والآخرة في التقى والغنى، وشرار الدنيا والآخرة في الفقر والفجور)[27]، ومثل هذا القول مروي عن الصاحبي الجليل الزبير حينما قال ابنه عبدالله: (ما هذا إلاّ تكاثر الناس وفخرهم) فقال الزبير: (إنه والله ما بالدنيا بأس، ما تدرك الآخرة إلاّ بالدنيا، فيها يوصل الرحم، ويفعل المعروف، وفيها يتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، فإياك أن تذهب أنت وأصحابك فتقعوا في معصية الله، ثم تقولون: قبح الله الدنيا، ولا ذنب للدنيا)، ثم أورد ابن أبي الدنيا تأييدًا لهذا القول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم المطية الدنيا، فارتحلوا تبلغكم الآخرة) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم الدار الدنيا، فيها يصلون وفيها يصومون)[28].
ثم أورد ابن أبي الدنيا بابًا واسعًا لإصلاح المال ذكر فيه أهمية الاستثمار وعدم إضاعة المال، والاستفادة من كل جزء من جزئياته لصالح الدنيا والدين، حيث روي الأثر القائل: الافلاس سوء التدبير، والكمال تقدير المعاش، والحفظ للمال من غير اسراف ولا تقتير، واستصلاحه بالتجارة والصناعة والعمل، ومنعه من الاضاعة[29] كما نقل القول بأن أكيس الناس هو من يصلح ماله، ويقتصد في معيشته[30] .
وذكر في باب الاحتراف قول النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب الحلال جهاد، وإن الله عزّ وجل يحب العبد المحترف)[31]كما روى بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال في قوله تعالى: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ)[32]: (هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله)[33]وروى كذلك بسنده عن نعيم بن عبدالرحمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسعة أعشار الرزق في التجارة)[34]، وروى كذلك عن سعيد بن المسيب: (من لزم المسجد وترك الحرة، وقبل ما يأتيه فقد ألحف في السؤال)[35].
المبادئ العامة المستنبطة مما سبق:
بعد هذا العرض الموجز للآيات الكريمة والأحاديث المطهرة نستطيع القول بأن الإسلام قد وضع المال في مكانه الصحيح دون افراط ولا تفريط، ودون تعارض ولا تضاد واختلاف، وأن المبادئ العامة الإسلامية بشأن المال هي ما يأتي:
1ـ المال والغنى ورغد العيش نعمة من نعم الله، وجزاء ومثوبة عاجلة من الله تعالى للمؤمنين المتقين بل إنه قد ربط بين هذه النعم وبين التقوى فقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[36] ويقول تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)[37] ويتوقف على وجوده كثير من المصالح العامة والخاصة، من تعمير الأرض، والجهاد في سبيل الله، وتحقيق مهمة الاستخلاف، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ونحوها، فالقوة المالية تحتل المراتب الأولى لتحقيق الحضارة والتقدم والرفاه، والدفاع عن النفس.
ولذلك امتنّ الله تعالى على رسوله الخاتم فقال تعالى: (وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى)[38] وفضل النبي صلى الله عليه وسلم الغنى لورثة سعد بن أبي وقاص على الفقر، فقال له حينما عرض عليه أن يتصدق بكل ماله، ثم شطر ماله، قلم يقبل صلى الله عليه وسلم إلاّ بالثلث، وعقب على ذلك فقال: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)[39].
2ـ المال قيام للمجتمع، فلا ينهض (بعد الايمان) إلاّ به.
3ـ إن حفظ المال من مقاصد الشريعة الكلية، ولذلك حرم الله تعالى الاضرار بالمال بدون حق، وأكله، واضاعته، وأكل أموال الناس بالباطل، وبالمقابل أوجب الله تعالى حمايته وحفظه وتنميته وتداوله بين الناس (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)[40] وشرع لحفظه مجموعة من العقود من الرهن والكفالة، بل إن الله تعالى شرع لحفظ المال حدّ السرقة وهو قطع اليد لمن اعتدى على المال إذا توافرت شروطه واندرأت الشبهات، وكذلك شرع حدّ الحرابة والفساد في الأرض إذا اعتدى على المال عن طريق القوة والافساد.
4ـ المال في الاسلام وسيلة وليس غاية ولذلك فرض الله عليه مجموعة من القيود والواجبات والحقوق لتحقيق التوازن والوسطية فيما يخص جميع مراحل النشاط الاقتصادي ـ كما سيأتي ـ.
5ـ المال المذموم هو المال الحرام، أو الذي لم تعط منه حقوق الله وحقوق العباد، أو استغل للاستكبار، والاضرار بالآخرين.
6ـ إن الزهد الحقيقي في الاسلام لا يعني ترك الدنيا، وإنما يعني عدم تعلق القلوب بها على حساب الآخرة، فجمع المال والثروة بطريق الحلال مع أداء الحقوق مطلوب في الاسلام، كما دلت عليه الآيات والأحاديث.
7ـ ان المناهج التي قامت على الإفراط، أو التفريط بشأن المال، وما ترتب عليها من الانعزال، وعدم السعي للمشي في مناكب الأرض كما أمر الله تعالى به للزرق واستكشاف ما في الأرض من سنن وخيرات هي التي شاركت في تخلف الأمة مع الأسباب الأخرى، فالأمة الإسلامية لا تكون لها القوة إلاّ إذا سعت افرادها للدنيا كأنها تعيش أبدًا، وسعت للآخرة كأنها تموت غدًا.
8 ـ الفقر من حيث هو نقمة وبلاء، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الفقر مع الكفر فكان من دعائه: (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والكفر)[41] ولذلك جعل الله الفقر أثرًا من آثار عدم اتباع منهج الاسلام فقال تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[42]
9- الاسلام يعالج آثار الفقر من خلال الايمان بالقضاء والقدر، والتربية بالصبر والقناعة والرضا، ولكنه لا يرحب بالفقر بل يعتبره مشكلة، يدعو إلى حلها، والقضاء عليها بجميع الوسائل المتاحة، بل يعتبره قرين الكفر، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه مع الكفر ويقول: (اللهم إني اعوذ بك من الكفر والفقر)[43] ويقول: (…. وكاد الفقر يكون كفرًا)[44] ويقول في حديث صحيح: (اللهم إني أعوذ بك من شر فتنة الغنى، وأعوذ بك من شر فتنة الفقر)[45] حيث يدل على أن الفقر له فتنة كما للغنى فتنة.
وقد وضع الاسلام مبادئ عامة وحلاً دقيقًا لعلاج الفقر من خلال ما يأتي ـ بإيجاز شديد ـ:
- دعوة الاسلام إلى اقتناء المال، وتعمير الأرض لأكل رزقها
- دعوته إلى العمل بمعناه الشامل لكل جهد فكريّ وذهني وعقلي وبدني ونبذ البطالة والكسل، بل دعوته لكل قوة إلى الاتقان والابداع، والتقدم، والتنويع
- تحريم الاحتكار والاكتناز والإسراف والتبذير
- حثه على التثمير والاستثمار والادخار، وعدم ترك الذرية عالة يتكففون الناس
- ايجابه الزكاة والنفقات والصدقات وغيرها للوصول إلى حد الكفاف لكل فرد، وتحقيق الضمان الاجتماعي لكل من يعيش على أرضه[46].
([2]) رواه الترمذي ـ مع تحفة الأحوذي ـ (7/3-4) ورواه ابن ماجه (2/1373) قال هشام: قال أبو ادريس الخولاني: مثل هذا الحديث في الأحاديث كمثل الابريز في الذهب .
([5]) متفق عليه، البخاري ـ مع الفتح ـ (11/208) ومسلم الحديث 2961
([6]) سورة القصص / الآية 79 – 80
([11]) يراجع: رياض الصالحين ص 169
([13]) البخاري (2/270، 272 و 11/113) وسملم الحديث 595
([14]) كتاب اصلاح المال بتحقيق مصطفى مفلح القضاة ط. دار الوفاء بالمنصورة 1410هـ ص 164- 198
([15]) رواه البخاري في الأدب المفرد عن طريق ابن أبي الدنيا ص 132 وأحمد في مسنده (4/197، 202) والهيثمي في موارد الضمآن ص 268
([16]) رواه ابن أبي الدنيا بسنده في كتابه المشار إليه ص 166 ورواه النسائي في سننه، كتاب النكاح (6/64) والترمذي في سننه كتاب التفسير (5/390) وابن ماجه، الزهد (2/1410) والحاكم في المستدرك (4/225) وصححه.
([17]) اصلاح المال ص 167 ويراجع العقد الفريد (2/336) بلفظ: (حسب الرجل ماله، وكرمه دينه، ومروءته خلقه)
([19]) اصلاح المال ص 169، وبجهة المجالس لابن عبد البر (1/172، 195) وتهذيب المال للمزني (2/1136)
([20]) اصلاح المال ص 170، وتهذيب التهذيب (3/475) بهذا اللفظ أورداه مرفوعًا، ثم روى ابن أبي الدنيا ص 170 موقوفًا عليه بلفظ: (اللهم هب لي جهدًا، وهب لي مجدًا، لا مجد إلاّ بفعال، ولا فعال إلاّ بمال) وأورده ابن عبد البر في العقد الفريد (2/336)
([21]) اصلاح المال ص 171، وحلية الأولياء (2/173) وسير اعلام النبلاء (4/238)
([25]) المصدر السابق ص 181 والعقد الفريد (2/337)
([28]) اصلاح المال ص 191 – 194، ومجمع الزوائد (9/189)
([29]) اصلاح المال ص 199 – 220
([31]) اصلاح المال ص 239، قال العجلوني في الكشف (2/162) ورواه الطبراني في الكبير، والبيهقي في السنن، وأوردع الزبيدي في الاتحاف (1/131) والمتقي الهندي في كنز العمال رقم 9205
([34]) المصدر السابق ص 244، وأورده ابن حجر في المطالب العالية الحديث 1368 وزالمتقي الهندي في المنز الحديث 9342، والزبيدي في الاتحاف (5/ 416)
([36])سورة الأعراف / الآية 96، ويراجع: الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: المرجع السابق ص 92
([37]) سورة الطلاق / الآية 2- 3
([39]) رواه البخاري، مع الفتح (3/164) ومسلم (5/263)
([41]) الحديث صحيح كما قال الألباني في صحيح الجامع الصغير الحديث 1285 فقال: رواه الحاكم والبيهقي بسندهما عن أنس
([42]) سورة طه / الآية 123-124
([43]) رواه أبو داود في سننه، كتاب الادب، مع عون المعبود (13/300) وأحمد (5/36، 39، 42، 44)
([44]) رواه ابن أبي الدنيا في اصلاح المال ص 350 ورواه ابو نعيم في الحلية (3/109) والعجلوني في الكشف (2/158 – 159) والتزبيدي في الاتحاف (8/52)
([45]) رواه البخاري في صحيحه مطولاً ـ مع الفتح ـ كتاب الدعوات ( 11/176، 181، 182) ومسلم ( 4/2078) كتاب الذكر، والنسائي (8/262) وأحمد (62/57)