الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين….. وبعد..
فقد وردني سؤال من سعادة الأخ الكريم أ.د. اسحاق أحمد فرحان، رئيس ملتقى القدس الثقافي، وهذا نصه: (يطيب لنا في ملتقى القدس الثقافي وهو احدي مؤسسات العمل المقدسي الناشئة في الأردن والتي قام بتأسيسها ثلة من الإخوة والعلماء والأساتذة والتي تقوم بسد فراغ الجانب المعرفي والتثقيفي المقدسي في الأردن، بحيث تخاطب المشاريع المنبثقة من خلال الملتقى جميع الفئات العمرية في المجتمع لتبقى القدس حاضرة في وجدان وعقل كل مسلم.
ولما كان للتنشئة العلمية والعملية دور مهم جدًا في إعداد الجيل الذي يقوم على خدمة هذه القضية الجليلة المركزية وتحرير الأرض المقدسة، فإن ملتقى القدس الثقافي أخذ على عاتقه سد هذه الثغرة الخطيرة التي تحتاجها أمتنا اليوم وتحتاجها قضيتنا الأولى؛ قضية بيت المقدس، هادينا في ذلك قول وعمل المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومسترشدين بسلفنا الصالح من أصحاب النبي صلى الله وسلم والتابعين الذين فتح الله على أيديهم بيت المقدس بقيادة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومستأنسين بمنهج قادة الأمة الذين كان على أيديهم تحرير بيت المقدس من الاحتلال من أمثال عماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي رحمهم الله جميعًا، الذين هيأوا الأمة أولاً علمًا وسلحوها بالمعرفة والاطلاع والمنهج السليم الذي أدى في النهاية إلى ظهور الجيل الذي تم الفتح على يديه بحمد الله.
ولا يخفى عليكم ما تحتاجه هذه الجهود من مساندة مالية واحتياجات مادية كثيرة، وفي هذا المجال نود أن نتوجه إلى حضرتكم للتكرم بإفادتنا برأيكم الشرعي في مسألة جواز دفع زكاة الأموال من الموسرين من أبناء أمتنا لصالح مشاريع ملتقى القدس الثقافي ضمن الرؤية والمنهج والأهداف التي يطرحها الملتقى والمذكورة أعلاه، شاكرين لكم حسن تعاونكم ومقدرين لكم جهودكم في خدمة ديننا وأمتنا ومسرى رسولنا صلى الله عليه وسلم.)
الجواب:
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين، وبعد،،،
فإن الله تعالى حدد مصارف الزكاة في كتابه الكريم بقوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة: 60، وقد شاءت إرادة الله تعالى أن تشمل هذه المصارف حاجيات الأفراد، والجماعة، والدولة، كما شاءت أن ترد كلمة (وَفِي سَبِيلِ اللّهِ) لتكون خاصة بمجال القتال، والدفاع مما تحتاج إليه الأمة والجماعة والدولة الإسلامية، وعامة لكل ما يتعلق بالقتال والدعوة وحماية الأمة والدفاع عنها.
وقد صدرت في ذلك فتوى من الندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة، وهذا نصها: ((أن مصرف (في سبيل الله) يراد به الجهاد بمعناه الواسع الذي قرره الفقهاء بما مفاده حفظ الدين وإعلاء كلمة الله ويشمل مع القتال الدعوة إلى الإسلام والعمل على تحكيم شريعته ودفع الشبهات التي يثيرها خصومه عليه وصد التيارات المعادية له.
وبهذا لا يقتصر الجهاد على النشاط العسكري وحده، ويدخل تحت الجهاد بهذا المعنى الشامل ما يلي:
أ – تمويل الحركات العسكرية الجهادية التي ترفع راية الإسلام وتصد العدوان على المسلمين في شتى ديارهم مثل حركات الجهاد في فلسطين….
ب – دعم الجهود الفردية والجماعية الهادفة لإعادة حكم الإسلام وإقامة شريعة الله في ديار المسلمين ومقاومة خطط أعداء الإسلام لإزاحة عقيدته وتنحية شريعته عن الحكم.
ت – تمويل مراكز الدعوة إلى الإسلام التي يقوم عليها رجال صادقون في البلاد غير الإسلامية بهدف نشر الإسلام بمختلف الطرق الصحيحة التي تلائم العصر وينطبق هذا على كل مسجد يقام في بلد غير إسلامي يكون مقرا للدعوة الإسلامية.
ث – تمويل الجهود الجادة التي تثبت الإسلام بين الأقليات الإسلامية في الديار التي تسلط فيها غير المسلمين على رقاب المسلمين، والتي تتعرض لخطط تذويب البقية الباقية من المسلين في تلك الديار.))
ومما لا يخفى أن المفسرين قد اختلفوا في تفسير مصرف (وَفِي سَبِيلِ اللّهِ) بين موسع، ومضيق، ومتوسط، والذي نراه راجحًا ومتناسقًا مع بقية المصارف، ومتناغمًا مع مقاصد الشريعة في الزكاة هو أن هذه الكلمة المباركة خاصة بأمور الجهاد، والدفاع عن الدين، ونشره بجميع الوسائل المعتبرة، والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة، وبالتالي شملت – بالإضافة إلى القتال في سبيل الله – كل ما يتعلق بما يحقق هذا المقصد، مباشرة أو غبر مباشرة، فهي خاصة بهذا الجانب، ولكنها شاملة لكل أنواعه.
وبناءً على ذلك فلا مانع شرعًا من صرف الزكاة لأنشطة (ملتقى القدس الثقافي) في كل ما يتعلق بإعداد الجيل الذي يقوم على خدمة قضية القدس بصورة خاصة، وفلسطين بصورة عامة، ما دام هذا الإعداد موجهًا لخدمة هذه القضية مستحضرًا منهج القادة الذين تم على أيديهم فتح القدس، لأنه في هذه الحالة بمثابة الرديء للمجاهد فكما أن كل عمل رديف ومساعد للجهاد داخل فيه فكذلك هذا الإعداد، فالوسائل معتبرة بنتائجها، والذرائع تأخذ حكم مآلاتها سدًا، وفتحًا.
ولكن نوصي الاخوة القائمين على الملتقى أن يتقوا الله في هذه الأموال فلا تصرف إلاّ لما يتعلق بهذا الإعداد مع الدقة في الصرف، والتحكم في المتابعة، ومراعاة الاقتصاد في الصرف بعيدًا عن السرف والإسراف.
هذا والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته