الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين….. وبعد..
فتوى بخصوص ردّ الريال اليمني عام 1985 بالمثل أو بالقيمة في عام 2013
وردنا السؤال الآتي نذكره بنصه:
(الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق رحمة للعالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم… وبعد:
لقد قدم إلينا بعض الاخوة طالبين منا الفصل في مشكلة نشأت بينهم لثقتهم فينا فأخبرناهم بأننا سنضع تساؤلاتهم لأهل العلم والخبرة لعدم معرفتنا بها ولذلك نرجو من فضيلتكم التكرم بإفادتنا جزاكم الله خيرًا عن الحكم والوضع الشرعي والقانوني للإقرار المرفق طي هذه المذكرة.
علمًا بأن الأخ/ عبدالله قد قام بسداد المديونية التي عليه للبنك وعندما أراد القيام بتنفيذ ما جاء في الإقرار المرفق للوفاء بالتزامه تجاه أخيه الأكبر/ محمد الذي رفض حتى مجرد ذكر مثل هذه الورقة، وقال له (شفويًا) انه لا يجب أن يعيد (يكرر) هذه المحاولة للقيام بسداد المديونية لأنه وافق على الأعداد والاحتفاظ بهذه الورقة لديه لمجرد المحافظة على ما أنجزه أخوه الأصغر/ عبدالله من شيء مهم جدًا لمستقبله والذي لم يستنفذ منه المال فقط بل وصحته أيضًا… فصدقه عبدالله ولم يشاء أن يغضبه بالإلحاح عليه لاستلام المبلغ وآجل الأمر ولكنه لم ينساه فاستمر في محاولته لسداد ما عليه لإبراء ذمته واسترداد ورقة الإقرار وعمل مخالصة نهائية وبالأخص بسبب احتفاظ الأخ/ محمد بتلك الورقة وعدم إرجاعها لأخيه، لغرض ما في صدره والذي كشف عنه فيما بعد، بعد مرور هذه المدة الطويلة وذلك عندما طلب الأخ/ عبدالله من اخوته التوسط لتصفية هذا الأمر حتى لا يتركوا باب من أبواب الشرع يستغله الشيطان لخلق عدا وات بينهم أو بين ورثتهم من بعدهم.
ولكن مع الأسف الشديد رفض الأخ/ محمد العرض في استلام المبلغ المقترض والمدون في الإقرار وهو مائتين ألف ريال يمني لأغير مدعيًا بأن أخاه الأصغر عبد الله قد تأخر عن السداد في الموعد المحدد المذكور في الإقرار وبالتالي حسب قوله:” يعتبر بأن ثبت له الحق في ثلث البيت” ولذا طرح على أخيه الأصغر/ عبد الله الخيارات التالية: -إما أن يتم تثمين البيت بالسعر الحالي وتسليمه الثلث من مبلغ التقييم كسداد لما قدمه؟! أو أن يتم السداد بالدولار الأمريكي وعلى أن يتم تقييم مبلغ المديونية (مائتين ألف ريال يمني) بسعر صرفه في ذلك الحين أي عند الاقتراض. (علمًا بأن ما استلمه الأخ/ عبد الله كان بالريال اليمني فقط وليس بالدولار الأمريكي وكذلك يوجد فارق كبير في سعر صرف الدولار مقابل الريال حاليا….
راجين من فضيلتكم الإفادة وتوجيه النصح جزاكم الله عنا خير الجزاء وأثابكم الله عز وجل خير الثواب انه سبحانه وتعالى بكل شيء قدير وبعباده بصير ويا نعم المولى ويا نعم النصير…
وفقنا الله وإياكم لفعل الخيرات ونسأل الله أن ينفعنا بجهدكم داعين لكم بالمزيد من الصحة والتوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة: لقد قمنا بطباعة الإقرار ليسهل عليكم قراءته، والعمارة المعنية هنا هي بيت مكون من ثلاثة غرف نوم. وغرفتين استقبال ومطبخ وحمامين وليست كما تعرف. بالأماكن الأخرى أي تتكون من عدة أدوار وعدة شقق
بسم الله الرحمن الرحيم
حرر بالحديدة في 18/7/1985م
أنا الموقع أدناه عبد الله……. اقر واعترف أمام الاخوة الشهود والموقعين أسمائهم أدناه وأنا بكامل قواي العقلية والجسدية بأن عندي وفي ذمتي لأخي/ محمد…. مبلغ وقدره مائتين ألف ريال جمهوري لا غير =(200.000)= وذلك مقابل مسحوباتي منه من اجل إكمال بناء العمارة الكائنة بحارة…. بمدينة صنعاء وهي عبارة عن فيلا مسورة ومساحتها….. وسأكون ملزما بتسديد هذا المبلغ ابتداءً من تاريخ انتهاء الأقساط الملتزم بها للبنك وهو يوم……. على أن يكون كل قسط منها خمسة الأف ريال =(5.000)= شهريًا تمامًا بنفس القدر الشهري الذي كنت اسدده للبنك كما أوافق على الشروط التالية:-
[1] لا يحق لي التصرف في بيع العمارة إلا بعد تسديد آخر قسط من المديونية للبنك ولأخي/ محمد……
[2] في حالة التفكير في بيع العمارة أنا ملزم بتبليغ أخي محمد…… بهذه الفكرة على أن يكون له حق الشفع.
[3] في حالة عدم الرغبة في الشراء من قبل أخي محمد….. يتم العرض والبيع بموافقتي وموافقة أخي محمد. وعند الموافقة على البيع وإتمامه وفي الوقت الذي لازالت المديونية لم تسدد بعد نهائيًا يعتبر المبلغ المقدم من أخي محمد.. مقابل قيمت الثلث من إجمالي تكاليف العمارة ولهذا يكون لأخي محمد.. الثلث من ثمن البيع بسعر الزمان والمكان، وبهذا حررت هذا السند وسألتزم به حرفيًا وعلى هذا أوقع وقد أذنت لمن يشهد والله خير الشاهدين.
حرر في 18/7/1985م الموافق 30 من شهر شوال سنه 1405هـ
. توقيع المقر بما فيه عبد الله……
. توقيع محمد…
. توقيع الشاهد الأول وكاتب هذا السند.
توقيع الشاهد الثاني
وقد أجبت عنها إجابة مختصرة في 18 سبتمبر 2013، ونصها:
(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
ففي المسألة المعروضة الخاصة بمحمد، وعبد الله، فالذي يظهر لي رجحانه: هو تحقيق العدالة، بأن يقدر المبلغ 200,000 ريال بقيمتها بالدولار يوم تسليم المبلغ، وذلك لأن التضخم الذي حصل في اليمن تضخم فاحش وكبير جدًا ولم تبق قيمة كبيرة للريال، والعدالة تقتضي إرجاع رأس المال حي في الريال فقال تعالى (لا تظلمون ولا تظلمون). هذا والله أعلم) فما بالكم بالقرض الذي مبناه على الرد الحسن…… أ.د. علي محيى الدين القره داغي
ثم جاءتني الرسالة الآتية، وهي:
[بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
سماحة شيخنا الفاضل العلامة الجليل أ.د. علي محيى الدين القره داغي حفظه الله ورعاه،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بالإشارة الى رسالتنا السابقة لا نخفيكم القول بأننا حصلنا على عدة فتاوي شرعية وقانونية من أهل العلم والمعرفة والخبرة جزاءهم الله عنا خير الجزاء… ولكن لا زلنا وسنظل محتاجين لرأيكم لا حرمنا الله من أمثالكم وبارك الله لكم في علمكم وصحتكم وأمد لنا في أعماركم.
أجمعت معظم فتاوى علمائنا الأجلاء وكذلك آراء رجال القوانين الوضعية على أن هذه الورقة لا تعدوا كونها إقرارًا بمديونية بمبلغ محدد وعمله محدده ولا يجوز سواها اما ما ورد بتلك الورقة من شروط أخرى فهي باطلة تمامًا وأضافوا قائلين “لا نستطيع وصفها إلا بأنها وضعت كقيود أو ضمان لعدم التفريط والزام المدين بسداد مبلغ المديونية (200,000 ريال يمني) لا غير”.
إلا أننا حصلنا كذلك على بعض الفتاوى التي تشترط أن يثبت المقرض بأنه طالب بحقه ولديه بينة على ذلك ولم يتجاوب المقترض ويعتبر “مطل” وغاصب مما يستوجب إلزامه بأن يسدد بعملة أخرى من يوم المطل… وهذا ما ورد بالضبط في هذه الفتوى:-)المقرض الذي أقرض ليس له إلا المبلغ الذي أقرض أخاه ولكن بشرط أن يكون قد عرض على أخيه إرجاع المبلغ الذي لديه وله بينه على ذلك في حينه اما إذا أثبت انه قد ماطل فعليه قيمة العملة من يوم المطل لأنه غاصب (…
وأتتنا فتواكم من بين أكثر من 25 فتوى تقريبًا وأربكتنا تمامًا لأن ثقتنا بكم وبعلمكم عالية جدًا فالتبس علينا الأمر فقررنا العودة إلى فضيلتكم بارك الله فيكم للتبيين… ألا ترون أنها خالفت الأصول والقواعد الشرعية لأن الأصل أن يكون السداد بنفس العملة التي تم القرض بها؟! ويجوز في حالة التوافق بين الأطراف على أن يتم السداد بعملة أخرى بالقيمة يوم السداد لا يوم القرض؟!… وعلى كل حال طالما أن المقترض يريد السداد وكون المقرض امتنع عن أخذ المبلغ سابقا فالواجب على المقرض أن يأخذ المبلغ إما بالريال اليمني أو بما يقابله ويوافقه من الدولار بسعر صرفه يوم السداد وإن أراد المقترض أن يزيد في السداد من غير شرط من المقرض على ذلك فله أن يفعل كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام “إن خيار الناس أحسنهم قضاء” !!!
أما بقية الفتاوى أجمعت وتمحورت حول هاتين الفتويين:-
(1) لا يستحق الأخ محمد أكثر من مبلغ المائتي ألف ريال يمني الذي أقرضه لأخيه عبد الله، لأنه يجب أن يكون وفاء الديون بالمثل، فإن فقد المثل، فما يساوي قيمتها يوم السداد لا يوم القرض،
وسواء في ذلك إذا كان أخوه عبد الله قد ماطل في السداد أو حاول أن يسدد هذا القرض ولكن أخاه محمد امتنع عن القبول.
وليس للأخ محمد الحق في تلك العمارة أو ثمنها الذي بيعت به، ولو اشترط أنه متى تم بيع العمارة ولم ينته أخوه من السداد يكون له ثلث ثمن العمارة، لأن هذا الشرط لا يجوز اشتراطه، لأنه عبارة عن اشتراط بيع نقود هي مبلغ القرض بنقود وهي ثلث ثمن العمارة مع التفاضل والنسيئة، وهذا يجمع ربا الفضل وربا النسيئة، كما أن في هذا الشرط غررا ومقامرة، لأن ثلث ثمن العمارة قد يكون أكثر أو أقل من مبلغ القرض، وفيه أيضًا غير ما ذكرنا من ألوان الباطل، ولا يستحق الأخ محمد شفعة الجوار في عمارة أخيه عبد الله، إلا إذا كان عقاره مشاركا لها في حق من حقوق الملك.
وأما إذا لم يكن عقاره مشاركا لها في حق من حقوق الملك، فلا يستحق شفعة الجوار ولو اشترطه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق. متفق عليه.
(2)
أولاً:- نذكر بالقاعدة المتفق عليها وهي (كل قرض جر نفعا فهو ربا (
ثانيًا:- الأصل في القرض أنه من عقود الإحسان والتبرع ففيه الأجر الأخروي وليس فيه الكسب الدنيوي.
ثالثًا:- أن القرض يسدد بالعملة التي أخذ بها مقدارا وعددا ولا اعتبار لتغير سعر الصرف زيادة أو نقصًا لأن الأصل هو طلب الأجر من الله كما أسلفنا.
رابعًا:- في الإقرار شرط باطل وهو شرط الثلث دون اعتبار للمبلغ المدفوع ولا للمبلغ المتبقي فقد يكون المبلغ المتبقي أقل من ثمن الثلث بالإضافة إلى ما أخذه وبذلك يكون قد استرد أكثر من المائتي ألف وهذا عين الربا لذا كان الصحيح في الشرط أنه في حالة البيع وعدم رغبة الأخ في الشراء يوافق على البيع و يأخذ ما يبقى له من القرض دون زيادة.
خامسًا:- بناء على هذا الشرط الباطل ليس من حقه أخذ ثلث البيت بل ولا من حقه أن يأخذ سوى المائتي ألف ريال حتى لو تأخر الأخ في الدفع لأن أي زيادة فهي ربا ولا يقال إن هذا المبلغ في وقت الإقراض كان يساوي أضعاف قيمته الآن لأننا قلنا إن القرض عقد إحسان وليس نفعًا.
وعليه فليتق الله الأخ الأكبر ولا يأكل الربا إن كان يخاف الله والدار الآخرة وليقبل المائتي ألف بنفس طيبة والله يعوضه والمال لم يذهب إلى الغريب بل هو عند أخيه يعني عنده فضلاً غن الأجر الذي ينتظره من الله إن هو رجع إلى حكم الشرع والله يصلح النفوس
* * *
ختامًا نؤد التأكيد لفضيلتكم بأن المصلحون (المحكمون) وكذلك الأطراف المعنيين بهذه الورقة أصروا جميعًا على أن نعرض عليكم لثقتنا العالية جميعًا بكم وبعلمكم أثابكم الله وجعلها الله عز وجل في ميزان حسناتكم ولا حرمنا من علمكم وجهدكم بارك الله فيكم وجزاكم خير الجزاء… والسلام ].
الجواب:
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين….. وبعد،،،
فأجيب عن هذا السؤال بشيء من التفصيل:
أولاً – أن مما لا شك فيه أن نقودنا الورقية قد أخذت معظم أحكام النقود الذهبية (الدنانير) والفضية (الدراهم) ومنها ردها في القروض والديون بمثلها، وهذا ما صدر به قرار رقم 42(4/5) من مجمع الفقه الإسلامي الدولي حيث نص على أن: (العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما، هي بالمثل وليس بالقيمة، لأن الديون تقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيًا كان مصدرها، بمستوى الأسعار).
وهذا هو الأصل العام الذي ينبغي اعتماده عندما تكون الأمور طبيعية، ولكن عندما تحدث الأزمات وتؤثر في قيمة العملة بما يزيد عن النصف، أو حتى الثلث فإن الحكم الشرعي لا بد أن يختلف في الرد بالمثل في العملات الورقية التي اعترف المجمع نفسه في ديباجة القرار السابق بأنها (نقود اعتبارية) ولذلك يكتب على معظم النقود الورقية (مضمونة القيمة) من قبل الدولة.
وقد كتبتُ في ذلك كتابًا كبيرًا بعنوان: قاعدة المثلي والقيمي وأثرها على الحقوق، مع تطبيقات معاصرة على نقودنا الورقية، ط. دار الاعتصام 1993م) توصلت فيه إلى ضرورة الابقاء على ذلك الأصل العام الذي قرره المجمع الموقر، ولكن عند حدوث الانهيار أو التضخم الفاحش لا بد من مراعاة العدل كما حدث لليرة اللبنانية عند الحرب الأهلية، وللعملة العراقية بعد غزو الكويت والحصار الشديد على العراق حتى بلغت قيمة الدولار الواحد أربعة آلاف دينار عراقي في حين كانت قيمة الدينار العراقي الواحد قبل الغزو أكثر من دولار أمريكي، فكان العراقي يشتري بعشرة آلاف دينار بيتًا مناسبًا وأكثر من سيارة، وعند الحصار أصبحت قيمة عشرة آلاف دينار عراقي حوالي ثلاثة دولارات فقط، ففي مثل هذه الحالات يكون القول بالرد بالمثل ظلمًا بينًا على المقرض الذي يستحق التعامل معه بالأحسن، كما وردت في ذلك الأحاديث الصحيحة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد رد الناقة بالأحسن (إن خياركم أحسنكم قضاءً) أي أداءً لقرضه وهو جزء من حديث صحيح رواه البخاري وغيره.
وقد أثبتتُ في كتابي بعض الفروق الجوهرية بين نقودنا الورقية والنقود السابقة (الدينار الذهبي، والدرهم الفضي) من حيث أن الأخيرة قيمتها في ذاتها، في حين أن النقود الورقية قيمتها برواجها ومحتوياتها والدولة المصدرة لها، كما أن الخصائص الثلاث للنقود قد لا تتوافر في النقود الورقية إذا انهارت قيمتها إلى النصف مثلاً، وبالتالي فإن تنزيل جميع الأحكام الخاصة بالنقود الذهبية أو الفضية على النقود الورقية عند انهيارها لا يستقيم، وأن تحقيق المناط يقتضي غير ذلك، كما معلوم في أصول الفقه.
نعم إن كل قرض جرّ منفعة مشروطة أو معروفة بالعرف حرام وربا، فأين المنفعة التي تحققت للمقرض وقد خسر المقرض معظم ماله المقترض، لأن الاعتبار في النقود الورقية ليس بالعدد، وإنما بالقيمة الشرائية، فقد أعطى المقرض في مثالنا هذا 200.000 ريال يمني، فبنى المقترض بها جزءًا كبيرًا من العمارة، حتى قدره بالثلث وهذا مؤشر واضح على أن قيمة القرض تعادل ثلث تكلفة العمارة.
ومن جانب آخر فإن قيمة الريال اليمني الشرائية في عام 1985 أو في العام الذي وعد بالبدء بالسداد وهو عام 1989، ومع ذلك لم يسدد مختلفة تمامًا عن اليوم، حيث كانت قيمة الريال في عام 1985 تعادل أقل من 20 سنتًا حيث الدولار الواحد يساوي أربعة ريالات ونصف ريال ثم بلغت قيمة الدولار في عام 1990 أربعة عشر ريالاً فقط.
في حين أن قيمة الريال اليمني اليوم تعادل جزءًا بسيطًا من الدولار، حيث يعادل الدولار الواحد أكثر من مائتي ريال.
ولذلك جاء القرار الصادر من مجمع الفقه الإسلامي الدولي قرار رقم 89(6/9) مبينًا توجهات كثيرة، منها:
ج- أن يطبق مبدأ ربط النقود الورقية بالذهب (مراعاة قيمة هذه النقود بالذهب عند نشوء الالتزام).
د- أن يؤخذ في مثل هذه الحالات بمبدأ الصلح الواجب، بعد تقرير أضرار الطرفين (الدائن والمدين).
ه- التفرقة بين انخفاض قيمة العملة عن طريق العرض والطلب في السوق، وبين تخفيض الدولة عملتها بإصدار قرار صريح في ذلك بما قد يؤدي إلى تغير اعتبار قيمة العملات الورقية التي أخذت قوتها بالاعتبار والاصطلاح.
و- التفرقة بين انخفاض القوة الشرائية للنقود الذي يكون ناتجًا عن سياسات تتبناها الحكومات وبين الانخفاض الذي يكون بعوامل خارجية.
ز- الأخذ في هذه الأحوال الاستثنائية بمبدأ (وضع الحوائج) الذي هو من قبيل مراعاة الظروف الطارئة.
الخلاصة:
أن الذي أرى رجحانه في السؤال المطروح:
أولاً – أن ذمة المدين وهو الأخ (عبدالله) لن تبرأ بدفع 200.000 ريال يمني اليوم حيث لا تساوي إلاّ بضع عشرات من الدولارات، وإنما الواجب عليه هو دفع ما يوازيها من الذهب، أو الدولار، أو التصالح على أي مبلغ يتراضى عليه الطرفان فقال تعالى (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء: 128
ثانيًا – ليس من حق الدائن وهو الأخ (محمد) المطالبة بثلث العمارة، لأنه لم يتم البيع الشرعي، وليس له حق الشفعة، ولا المطالبة بالثلث، وإنما له الحق في المطالبة بمثل ما دفعه من حيث القيمة الشرائية.
ومن المعلوم شرعًا وعقلاً وفطرة أن مبدأ العدل هو المبدأ السائد في جميع أحكام الشريعة وأنه من أهم مقاصدها فإذا كان الله تعالى يعطي للمرابي الظالم رأس ماله في الربا (وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) البقرة: 279، فكيف بالقرض الذي شجع الرسول صلى الله عليه وسلم المدين على أن يكون أداؤه أحسن قضاءً.
هذا رأيي، علمًا بأن بعض محاكم الاستئناف في بعض الدول، مثل الأردن قد أخذت برأيي هذا، وأصدرت فيه قرارات قضائية.
هذا والله أعلم بالصواب
والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته