حكم المساهمة في شراء لوحات سيارات جرى عليها مزاد علني

السؤال: فضيلة الشيخ: جرى لدينا هذه الأيام عمل مزاد علني لشراء الأرقام المميزة للوحات السيارات، فردية وزوجية، والحقيقة وصل سعر بعضها إلى رقم خيالي مبلغ 25.200.000 خمسة وعشرون مليونًا ومائتا ألف درهم، علمًا بأنه أعلن رسميًّا أن ريع ما ينتج عن بيع هذه الأرقام سيصرف في الأعمال الانسانية الخيرية، وقد أحدث هذا المزاد ضجة إعلامية كبيرة كادت تحول المتزايدين عن هدفهم الأصلي (المساهمة في وجوه الخير) إلى نوع من المباهاة والمفاخرة والظهور الإعلامي.

السؤال: هل يجوز الاستمرار في المساهمة في هذا الباب، أم التوقف وتحويل هذه الأموال إلى وجوه الخير الأخرى……

الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:

فإن من المعلوم أن العبادات ـ بما فيها الصدقات ـ إنما تقبل بشرطين: أحدهما أن تكون موافقة للطريقة أو الطرق التي أقرها الشرع الشريف إما نصًّا أو استنباطًا واجتهادًا من ثقة معتبر.

الشرط الثاني: الإخلاص لله تعالى بحيث يكون العمل لله تعالى وحده، لا يكون فيه رياء وحبّ تظاهر وتفاخر وتباهٍ ونحو ذلك، لقوله تعالى: ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) سورة البينة / الآية5، وقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) سورة الكهف / الآية110، وقوله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) سورة آل عمران/ الآية92.

وقد وردت أحاديث صحيحة تأمرنا بالإخلاص والتجرد لله تعالى في كل أعمالنا وعباداتنا وشعائرنا، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكل امرئٍ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) رواه البخاري ـ مع الفتح ـ (1/7) ومسلم الحديث رقم 1907.

وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) رواه البخاري (1/97) ومسلم الحديث رقم 1904.

 كما وردت أحاديث كثيرة في ذم الرياء واعتباره من الشرك الأصغر، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) رواه مسلم الحديث رقم 2985، وقوله صلى الله عليه وسلم في الشهيد الذي يؤتى يوم القيامة فيقول له ربّ العالمين: (…….. كذبت، قاتلت لأن يقال لك جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار) وفي المتصدق الذي تصدق فيها، وانفقها، فيقول له ربّ العالمين: (… كذبت، ولكن فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل…..) انظر الحديث بتفصيله في صحيح مسلم الحديث 1905، والترمذي الحديث 2383 والنسائي (6/23، 24).

فهذه الأحاديث تدل على أهمية النيات، وخطورتها، ولكن إذا كانت نية الشخص المذكور في السؤال تشجيع الناس على الانفاق، وحثهم على الصدقات، وتحريكهم للتوجه نحو الخيرات، وتفعيل الناس مع الأعمال الصالحات الباقيات، والتنافس والمسارعة في الخيرات، وحينئذ يدخل في المزايدة ليكون قدوة للآخرين دون تنافس دنيوي، ولا قصد السبق على الآخر لأجل التباهي والتفاخر…. إذا كانت النية بهذا الشكل فهذا جائز إن شاء الله لقوله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) سورة البقرة / الآية 271.

وعلى أية حال فإن الحالة المعروضة في السؤال محفوفة بالمخاطر والشبهات، لذلك أنصح هؤلاء أن يتصدقوا بأموالهم بغير هذه الطريقة، بل إنها لا تدخل في حقيقتها في الآية الأخيرة في جواز الابداء، لأنها ليست فيها دلالة على جواز حالة الابداء بمثل هذه الحالة من التنافس الشديد الذي يراد به كسب المعركة مهما كان الثمن، والغلبة على الآخر مهما كان المبلغ.

فهذه الطريقة بهذا التنافس الشديد غير جائزة، وأخاف أن يؤثم فاعلها بدل أن يؤجر ويثاب، والذي جوز من المزايدة في جمع التبرعات هو ما لا يصل إلى هذا الحد من التنافس مع وجود النية السابقة التي ذكرتها.

ولذلك أنصح إخواني بالابتعاد عن مثل هذه الطريقة الموجودة في السؤال.

آخر الفتاوى