الفتوى تحرم التحايل والصورية في التأجير، ولا تحرم الإسكان الحكومي ((RA مطلقًا.
طاعة ولي الأمر واجبة في جميع القوانين التي لا تتعارض مع الشريعة.
لا يجوز الخوض في الفتاوى والأحكام الشرعية، إلا من كان فقيهًا، ولا يجوز إخضاعها للأهواء.
ولا يجوز رد الفتوى إلا بدليل شرعي من الكتاب والسنة:
أثارت فتواي التي نشرت يوم الثلاثاء حول عدم جواز التحايل والصورية في (عقد إجارة مسكن للمواطنين)، ردود فعل متباينة، فأكثرهم قالوا: هذا هو الحق، وعلى العلماء أن يبينوه، وأما المتعاملون بهذه الصورية والتحايل فقد انقسموا إلى قسمين:
قسم قالوا: جزاك الله خيرًا ونترك الموضوع وننتظر من الدولة إصلاح الوضع.
وقسم أخر خاضوا في أعراض العلماء واتهموهم (وسوف نقاضيهم عند العزيز الجبار العدل القهار).
وأودّ هنا أن أوضح النقاط الآتية:
- الفتوى تحرّم الصورية والتحايل في عقد الإجارة وغيره، ولا تحرّم تأجير السكن الحكومي، ومع الأسف الشديد بعض الشباب حرفوا الفتوى لإثارة الناس، وكتبوا العنوان الآتي:
(القره داغي: بدل السكن (RA) الموظفين حرام وتحايل وأكل لأموال الناس بالباطل)
وهذا تحريف للفتوى لا يجوز لأي شخص أن يغير الفتوى، وسوف يحاسبهم الله تعالى على ذلك فالفتوى ليست في تحريم بدل السكن، وإنما في تحريم التحايل والصورية.
ومن المعلوم أن الفتوى هي بيان حكم الله تعالى في النازلة، وأنها بمثابة التوقيع عن رب العالمين فكيف تسول أنفس هؤلاء بالكذب والافتراء (نفوض الأمر إلى الله تعالى).
- إن الفتوى لصالح المواطنين حيث طالبت وتشفعت لدى حكومتنا الموقرة برفع بدل السكن، وبمقترحين مهمين أرجوا قراءة الفتوى.
- إن التأصيل الشرعي لهذه المسألة قد ذكرت معظم أدلته في الفتوى وهنا ألخصها فيما يأتي:
- أن التحايل للوصول إلى إباحة المحرم، أو تحريم الحلال، أو أكل أموال الناس بالباطل محرم بالكتاب والسنة والإجماع، بل من ثوابت هذا الدين وأن الله تعالى لعن اليهود حينما احتالوا على السبت وغيره، ونرجو أن يقرأ كتاب: أعلام الموقعين لابن القيم، وأبطال الحيل لابن تيمية.
- أن طاعة أولي الأمر من المسلمين بالمعروف واجبة، بالكتاب والسنة والإجماع فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) الآية 59 سورة النساء. والإجماع على ذلك قائم ولا ينكر ذلك إلا جاهل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (وطاعة ولاة الأمر واجبة لأمر الله بطاعتهم.. ومن كان لا يطيعهم إلا لما يجني من الولاية والمال فإن أعطوه أعطاهم وإن منعوه عصاهم فما له في الآخرة من خلاق).
- وقد ورد في حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة عن النبي(صلى الله عليه وسلم) قال: “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم…ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه لم يفِ، وفي حديث صحيح آخر رواه الخمسة وأحمد بمسندهم أن رسول الله قال: على المرء السمع والطاعة في ما أحب وكره إلا أن يأمر بالمعصية فلا سمع ولا طاعة.
- فإذا كانت طاعة أولي الأمر واجبة فإذا أصدروا قوانين تنظم أمرًا معينًا فيجب الالتزام بها مادامت لا تتعارض مع نصّ شرعي، ومن المعلوم أن قانون تنظيم الإسكان الحكومي قانون مشروع لا يجوز تجاوزه، وبما أن القانون واضح في منع التحايل والصورية فإن الخروج عليه يؤدي إلى أكل لأموال الناس بالباطل.
د- إن أموال الدولة ليست كلاً مباحًا، بل لها عصمتها وحرمتها، ولا يجوز الاعتداء عليها ولا أخذها أو أكلها إلا بحق، بل إن أخذها بدون حق غل وخيانة وحرام.
ومن المتفق عليه أن الدولة هي صاحبة الحق، وهي المسؤولة عنها فإذا قننت قانونًا يجب الالتزام به وكان مع حق المطالبة بتعديله إن وجد فيه شيء، كما طالبنا نحن وتشفعنا فيه.
ونحن اليوم نرى أن الحكومة لم تقصر، بل لم تأل جهدًا في تحقيق الرفاهية لشعبها، بل كل من يعيش على أرضها، فواجبنا أن نحترم إرادة الحكومة والقوانين الصادرة منها ما دامت في إطار المشروعية.
- إن الرد على العلماء يجب أن يكون في إطار الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والاجتهاد من أهله، وشروطه وفي محله، وأنه لا يجوز الرد عليهم بالأهواء، واللمز والهمز فقال تعالى (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ*)الآية1 سورة الهمزة.
ومن المعلوم أن الله تعالى جعل العلماء ورثة الأنبياء، كما ورد بذلك أحاديث صحيحة، وأن احترامهم واحترام فتاواهم هو احترام لإرث الأنبياء، وقد قال النبي (e):” ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه” قال الألباني في صحيح الجامع الحديث(5443)-حديث حسن-
فلينظر هؤلاء الذين يزدرون بأهل العلم إلى سيدنا جبريل عليه السلام حينما جاء متعلمًا كيف جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث جلس على ركبتيه، يقول الطحاوي (ومن ذكرهم – أي العلماء….والنظر إليهم بسوء فهو على غير السبيل”، وقال الحافظ (ابن عساكر – اعلم يا أخي أن لحوم العلماء مسمومة، وسنة الله في هتك منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه قبل موته بموت القلب…” فمنهج السلف توقير أهل العلم، والتأدب معهم، وأن منهج أهل البدع هو الطعن فيهم وهمزهم ولمزهم، أو الغلو فيهم.
والحمد لله إن معظم الذين تحدثوا عن الفتوى ذكروها بمنتهى الاحترام ما عدا قلة نادرة تربطها بقضايا أخرى هي من حق الدولة وسيادتها(والله المستعان).
- إن الفتوى لا تتحدث عن الأشخاص، وإنما مجردة تتحدث عن الواقعة المعينة بحيث إذا تحقق التحايل غير المشروع فهو حرام وما عداه يبقى على الإباحة مع احترامي للجميع.
- إن نشر الفتوى يعود لكثرة الأسئلة حول الموضوع ووصول رسائل من عدة أشخاص تلح في بيان الحكم حتى يعرف الناس الحكم الشرعي في هذه المسألة وهذا دليل أخر على حرص إخواننا القطريين على المال الحلال، وعلى الابتعاد عن الشبهات، وهذا عهدي بهم منذ ثلاثين سنة فأنا أعتز بحرصهم الشديد على دينهم، فزادهم الله تعالى حرصا على دينهم.
وأخيرا فنحن منذ شبابنا عاهدنا الله تعالى أن نقول الحق، وأن نبين ما يظهر وبيانه سواء كان بالحل أو الحرمة، فحينما أصدرنا فتوى بإباحة شراء أسهم الصناعات، مسيعيد وغيرها مع التنقية واستفاد منها الناس لم نقصد بذلك إلا إرضاء الله تعالى في عدم تحريم ما أحل الله تعالى في نظرنا ونظر الكثيرين، وحينما نقول اليوم بحرمة التحايل والإجارة الصورية لا نريد به إلا إرضاء الله تعالى في عدم تحليل ما حرمه الله تعالى بالإجماع وقد أخذ الله تعالى العهد من العلماء أن يبينوا الحق والشرع ولا يكتمونه ( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)) سورة الاحزاب.
(إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) سورة هود.
والله المستعان
كتبه الفقير إلى ربه
أ.د علي محي الدين القره داغي