فتوى معاصرة حول أسهم بنك “الفيصل الإسلامي” في مصر:

 السؤال: أثير في مصر سؤال في الآونة الأخيرة: ما حدث حول أسهم بنك فيصل الإسلامي، حيث نص نظامه الأساس على أن أسهمه لا يمتلكها غير المسلمين، وعلى ضوء ذلك جاء قرار إدارة مراقبة السوق بالبورصة بمنع شراء غير المسلمين أسهم بنك فيصل الإسلامي بل وإلغاء بعض عمليات الشراء التي تمت عليها لصالح بعض المستثمرين المسيحين بعد ثلاثة أيام من شراء هذه الأسهم، وإلزامهم ببيعها لمخالفة عمليات الشراء للائحة النظام الأساسي للبنك.

 وإثر ذلك أثيرت زوبعة كبيرة في الصحافة وبقية وسائل الاعلام المصرية، وربطوا هذا القرار بالجوانب السياسية، وحتى صفوه بأنه يثير الفتنة الطائفية، لذلك أردنا أن نعرض الأمر عليكم للإجابة عنه إجابة شافية.

الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه من تبع هداه إلى يوم الدين،،،، وبعد

فهذه القضية لها جانبان أساسيان:

الجانب الأول: هو حكم الشريعة الاسلامية في مشاركة المسلمين غيرهم في عقد الشركة.

الجانب الثاني: ما يتعلق بالجانب الاداري والقانوني، وهو الذي يتعلق بالنظام الأساسي وعقد التأسيس للشركة.

ونحن هنا نتحدث عن هذين الجانبين بشيء من الايجاز:

الجانب الأول، وهو حكم الشريعة في مشاركة غير المسلم للمسلم في عقد الشركة، وهذا الجانب أيضًا له اعتباران أساسيان:

الاعتبار الأول لعقد الشركة في الفقه الإسلامي قديمًا.

 الاعتبار الثاني لعقد الشركة في عصرنا الحاضر.

الاعتبار الأول: لعقد الشركة في الفقه الإسلامي قديمًا، حيث كان عقد الشركة (وبالأخص شركة الأموال) يقوم على أساس الوكالة والكفالة من قبل جميع الشركاء، بعضهم لبعض، حيث كانت شركة الأموال تتم بين شخصين أو أكثر، وكل واحد منهما يعمل أصالة ووكالة، وأن ما يفعله هو محمول آثاره أيضًا على الآخر.

وعلى ضوء هذه الاستقلالية في التصرفات لكل واحد من الشريكين، والكفالة والضمان لآثار كل تصرفات الشريكين اختلف الفقهاء في مدى جواز مشاركة المسلم لغير المسلم على ثلاثة آراء، فمنهم من أجاز مطلقًا، ومنهم من منع منعًا مطلقًا ومنهم من فصّل في الموضوع بحيث إذا كان غير المسلم يعمل تحت اشراف المسلم فهو جائز، وقال المانعون: إنه لا يؤمن من أن يتصرف بما هو جائز حسب عقيدته، وغير جائز في الاسلام، مثل المتاجرة في الخمور، والخنازير، أو عدم الالتزام بالضوابط الشرعية الخاصة بالعقود.

فهؤلاء الفقهاء المانعون من مشاركة غير المسلم للمسلم لم ينطلقوا في المنع من نقصان الأهلية، او العنصرية، وإنما من باب احترام حريات الآخرين، واحترام معتقداتهم، وما يعتقدون حرمته، وذلك لأن من الواقع المشاهد أن هناك بعض المعاملات محرمة في الشريعة الاسلامية، ومجازة لدى بعض أهل الكتاب، بل ان هناك بعض المعاملات مثل المراهنات والمقامرات التي لا يجيزها أي دين، ومع ذلك يتعامل بها هؤلاء، لذلك فاحترام خصوصيات الآخرين من أهم حقوق الانسان في التشريعات المعاصرة، وسبقتهم إلى ذلك الشريعة الاسلامية التي أجازت لغير المسلمين داخل الدولة الاسلامية بمزاولة ما يعتقدون حله مثل شرب الخمور وأكل الخنازير مع أن حكمهما في الاسلام أنهما من الكبائر الموبقات، فقد حمت الشريعة حرية هؤلاء، ولكن دون أن يتجاوز أثرها إلى المسلمين، وأعتقد أن هذا من باب التسامح الذي لم يصل إليه في التطبيق أهل أي دين إلى يومنا هذا.

وبالنظر في كلام الفقهاء أن اختلاف الدين لا يمنع صحة الشركة بين المسلم وغيره من حيث المبدأ، ولكن مع رعاية كون التصرفات التي يقوم بها غير المسلم مباحة شرعًا، كما صرح بذلك المالكية، والحنابلة، ذلك اشترطوا أن لا ينفرد غير المسلم بالتصرف لأنه يعمل بالربا وغيره من المحرمات في نظر المسلم، والحنفية أجازوا مشاركة المسلم لغيره في شركة العنان، والمضاربة، والوجوه، وكذلك الظاهرية، وهو الذي يدعمه الدليل الصحيح ما دام غير المسلم لا يتعامل بالمحرمات في عقيدة المسلم، فقد تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود بالبيع والشراء حتى توفي وكانت درعه مرهونة عند يهودي، كما قبل بالمساقاة مع يهود خيبر على النصف من الناتج.

الاعتبار الثاني: لعقد الشركات في عصرنا الحاضر.

أما الشركات في عصرنا الحاضر فقد تغير تغيرًا جوهريًا عما كانت عليه في السابق، فقد أصبحت شركات مساهمة لها شخصية معنوية مستقلة ومنفصلة عن شخصية المساهمين، وأن مسؤوليتها محدودة، وأن أسهمها تطرح في السوق ويكتتب فيها الآلاف، بل مئات الآلاف، ثم بعد طرح الأسهم في البورصة تنفصل قيمتها السوقية تمامًا عن رأس مال الشركة، فمهما انخفضت قيمتها، أو ارتفعت فليس لها تأثير على الشركة وماليتها وميزانيتها.

فهذه الاعتبارات المهمة لها تأثيرها على حقيقة الشركات في عصرنا الحاضر، فاليوم لم يعد للمساهمين أي دور مهم سوى اختيارهم مجلس الادارة لمدة ثلاث سنوات، واجتماع الجمعية العامة في كل عام للموافقة بأغلبية أصوات عدد الأسهم على الأمور المهمة.

وبالمقابل فإن المساهم (الشريك) لا يتحمل أية مسؤولية ولا الضمان لأي شيء ما عدا القيمة الاسمية للسهم، فمهما تراكمت الديون على الشركة فإن المساهم لن يتحمل منها شيئًا، سوى القيمة الاسمية للسهم، ومن هنا فأقوال الفقهاء المانعين من مشاركة غير المسلم للمسلم لا ينطبق على المساهمين في عصرنا الحاضر أبدًا سوى مجلس الادارة، فالمساهمون لا يسمح لهم القانون بمزاولة أي عمل يتعلق بالشركة.

ولذلك ينحصر الكلام في مجلس الادارة، وهو أيضًا في ظل القوانين المرعية ليس أعضاؤها مثل الشركاء في عقد شركة الأموال في الفقه الإسلامي الذي كان يقضي بأن لكل شريك أن يعمل في مال الشركة كلها أصالة عن نفسه ووكالة عن بقية شركائه.

وأما أعضاء المجلس فليسوا كذلك، فليس من حق أي واحد منهم أن يتصرف وحده في أموال الشركة، وإنما المجلس يضع الخطة المفصلة ويوافق عليها وعلى القرارات بالغالبية المطلقة.

ومن هنا فإنما ينطبق أقوال الفقهاء المانعين، وتنزل على حالة ما إذا كان غالب الأعضاء من غير المسلمين، حيث يخشى حينئذ من اتخاذ قرارات بالغالبية لصالح تصرفات لا تبيحها الشريعة الاسلامية.

ومن الجدير بالذكر أن القيام بالتصرفات المحرمة ليس خاصًا بغير المسلمين، وإنما هناك من المسلمين من يجيز التصرفات المحرمة بكل ضوابطها أكثر مما يجيزها أهل الكتاب..

والعلاج لهذه المسألة، والحماية لهذه الحالة هي أن ينص النظام الأساس على الالتزام بأحكام الشريعة الاسلامية الغراء، ووجود هيئة للفتوى والرقابة الشرعية تكون قراراتها ملزمة.

لذلك فالمطلوب في المؤسسات المالية الاسلامية هو ايجاد ضمانات للحفاظ على أهداف المؤسسة المالية الاسلامية ورسالتها، والتزامها بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء.

الجانب الثاني: هو النظام الأساس لأية شركة أو مؤسسة مالية، حيث يجيز القانون ادخال بعض الشروط والالتزامات في النظام الأساس، لأن المساهمين أحرار في وضع الشروط التي لا تخالف النظام العام، فالعقد ـ كما يقول القانون ـ شريعة المتعاقدين، وأن العقود اليوم تقوم على سلطان الارادة والرضا.

وقد أقرت جميع القوانين المدنية والتجارية في العالم الغربي، والعالم الاسلامي أن النظام الأساسي لأية مؤسسة مالية أو شركة بمثابة الدستور الذي يجب احترامه ولا يجوز اختراقه ما دام هذا النظام قد تمت موافقة الدولة عليه.

ومن هذا الباب فإن النظام الأساس لبنك فيصل الاسلامي قد أقر من قبل الدولة وصدر بشأنه قرار من أعلى السلطات، ومن هنا يجب احترامه، وأنه لا يدخل أبدًا ضمن العنصرية أو الفتنة الطائفية، وإنما يدخل في باب احترام ارادة الآخر وحريته، بل إن في هذا صونًا للاستثمار وتشجيعًا عليه، وتحقيقًا لرغبات المستثمرين.

هذا والله أعلم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

آخر الفتاوى