فتوى حول حكم التعامل بالتسويق الشبكي أو الهرمي ونحوهما

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

فقد وردنا السؤال الآتي حول حكم التعامل في مجال التسويق الشبكي والهرمي، ونصه: (بدأنا نحن فريق الاحلام بالعمل التجاري مع شركة……..، وهي معروفة عالميًا في مجال المكملات الغذائية المفيدة للصحة، وهدفنا زيادة المدخول الشخصي بالتجارة الحلال ومساعدة أكبر عدد ممكن من الأشخاص للوصول للاستقرار المالي وكلنا قناعة وآمل أن يكون هذا الباب باب خير لجميع من يمتلك الطاقة والموهبة في هذا المجال.

ورغم سؤالنا للمدربين والمشرفين في هذا المشروع بموضوع الحلال والحرام في هذه التجارة فقد أفادونا مشكورين بفتوى مرفقة من بعض العلماء الأفاضل بأنه لا حرمة في هذا العمل، إلا أننا في أوروبا واجهتنا بعض الأسئلة والاستفسارات حول مشروعية العمل بهذا المشروع، فمن باب الطمأنينة وسد الذريعة نتوجه إليكم بالسؤال عن الحكم الشرعي في معاملات هذه الشركة بالتحديد، حتى يكون الأشخاص المشاركين في أوروبا على بينة وطمأنينة من أمرهم.

ومرفق لحضراتكم شرح عن طبيعة العمل والتعامل في هذه الشركة وصفة الاستفادة، شاكرين لكن تجاوبكم معنا في الرد على هذه المسألة، ولكم منا كل الحب والتقدير على جهودكم المبارك.

إننا نضع بين أيديكم طلب فتوى للتعامل المالي بين الشركة… والموزعين لها، علمًا بأن الشركة… هي شركة رائدة في مجال المكملات الغذائية التي لها آثار علاجية وأيضًا في مجال مستحضرات التجميل والعناية الشخصية فتقوم على مبدأ البيع المباشر بطريقة التجارة التقليدية وأيضًا التجارة الالكترونية وتمتلك هذه الشركة فروعًا في أكثر من 60 دولة تبيع فيها منتجاتها من خلال موزعين منتسبين لهذه الشركة بينهم وبين الشركة عقد تسويق بالعمولة حيث يشمل هذا العقد على عدة بنود.

أولها: أن الموزع يأخذ البضاعة من الشركة بثمن الجملة ويبيع البضاعة بثمن التجزئة ويكسب الفارق بين السعرين ويكون 20 الى 40 بالمائة.

ثانيًا: بإمكان هذا الموزع أن يبيع السلع عن طريق التسويق عبر المواقع أو عن طريق البيع المباشر للأشخاص أو العملاء.

ثالثًا: بإمكان الموزع إعطاء صفحة التوزيع الى موزعين آخرين من خلال شيء يسمى رقم العضوية فكل موزع يحمل رقم عضوية معرف من خلال الشركة يستطيع الموزع أن يكون هو المدرب لموزعين آخرين بحيث يعلمهم كيفية البيع ومقابل ذلك يحصل على نسب أقل على مبيعاتهم تكون ثلاثة في المئة أو خمسة بالمئة وهم يحصلون على نسب من 20 الى 40 بالمئة وهذه النسب التي يحصل عليها تكون متناقلة عبر الأجيال بالتناقص تصل فقط إلى الجيل رقم 12 علمًا بأن الدخل يكون فقط على المبيعات ولا يوجد أي علاقة لالتحاق الأشخاص أو عدد الأشخاص بالدخل مثلاً لو قام شخص بضم 100 موزع لم يحصل على أي عملات ولكن لو قام بالضم موزع واحد وعمل مبيعات بقيمة 400 دولار مثلاً سيحصل على نسبة من هذه المبيعات.

رابعًا: بإمكان الموزع في حال زيادة حجم المبيعات عند مئة ألف دولار أن يقوم بفتح محلات تجارية ويوزع البضاعة من خلالها للعملاء وأيضًا للموزعين.

خامسًا: يوجد العديد من الهدايا المشروطة لتحقيق حد معين مثلاً خلال 6 شهور اذا كان حجم المبيعات 50000 دولار تحصل على تذكرة سفر و رحلة سياحية مجانية.

نحيطكم علمًا بأن العديد من المنتجات متوفرة في العديد من الأسواق التجارية الالكترونية والتقليدية مثل أمازون وعلي بابا، والأسعار التي يبيع بها الموزعون هي أسعار تنافسية مقارنة بأي شركة لديها نفس المنتجات، ونفس الجودة ونستطيع اعطاء العديد من الأمثلة على ذلك، وأيضًا نحيطكم علمًا بأن أكثر من 85 % من المبيعات تكون لزبائن وعملاء وحوالي 15 بالمئة تكون من خلال الموزعين، أما نحن فإن مقصد عملنا هو كسب المال من خلال توسيع نطاق الموزعين الذين يعملون من خلالنا حيث عملنا لهم نظام تدريبي يعطيهم فرص عمل في المبيعات ونحن نحصل على عمولات من حجم المبيعات التي يقومون بها واذا لم يقوموا بعمل مبيعات فهم لم يخسروا شيء ونحن قمنا بتدريبهم بالمجان.

أخيرا وليس آخرًا يوجد عندنا عشرات الآلاف من قصص النجاح الصحية باستخدام هذه المنتجات والبرامج الصحية التي تقدمها الشركة وهناك مئات الآلاف من الأشخاص الذين يستخدمون المنتجات ولا يعلمون عن أي فرصة عمل مترتبة على توزيع هذه المنتجات بل ويقومون بالنصح لها والترويج لها دون أن يعلموا أنهم بإمكانهم أن يحصلوا على عمولات من خلال النصح والترويج.

فائق الاحترام والتقدير. تحيات فريق الاحلام -ألمانيا).

الجواب:

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

أولاً – فبناء على المعلومات التي وردت في السؤال، والمعلومات المتوافرة في موقع الشركة المتخصصة…..، على شبكة الانترنيت تدل على أن منتجات الشركة المشار إليها في السؤال هي (مكملات غذائية، ومنتجات العناية الشخصية) وأنها حاصلة على موافقات بعض الجهات والسلطات الصحية، ولكنها تعتمد -حسب ادعائها- في تسويقها على نظام التسويق الشبكي، وليس التسويق الهرمي، ولكن معظم الذين يُقبلون على التعامل معها ليست نيّتهم الشراء، وإنما الدخول في التسويق الشبكي والاستفادة من العمولات التي تكبر كلما ازداد حجم وعدد الوكلاء والعملاء المشتركين عن طريقهم.

ثانيًا – مفهوم التسويق الشبكي والهرمي:

أ- التسويق الشبكي عرفه علماء الاقتصاد (مثل باركير، وناهير) بأنه أسلوب للبيع الشبكي يسمح لمن يشترك فيه أن يُنشئ شبكة خاصة به يستطيع من خلالها ضمّ العديد من العملاء المشتركين الجدد، وبيعهم الخدمة أو المنتج مقابل عمولة يحصل عليها عن كل مشترك جديد عن طريقه، وهكذا.

والتسويق الشبكي له أنواع، من أهمها:

1- نظام التسويق الثنائي، وهو يقوم على تحقيق التوازن بين اليمين، والشمال، مثل أن يكسب العميل من اليمين زيدًا، وهو يكسب خالدًا، وعمرًا، وكذلك الحال في الشمال. وهكذا.

2- نظام المصفوفة، الذي يمكن للعميل أن يسوّق لستة أشخاص مباشرة، أو شخصين أو أكثر.

3- نظام الانفصال، بأن يكسب العميل أعدادًا، ولكن عندما يصل العدد إلى حد تحدده الشركة يمكن للأعضاء أن ينفصلوا. وهكذا.

ب – أما التسويق الهرمي، فهو يقوم على المشاركة في نظام الشركة القائمة على التسويق الهرمي، فيشتري منتجًا من منتجاتها، ثم يقوم هو بكسب المشترين الوكلاء حسب نظام هرمي ؛ لأن جميع مَنْ اشترى منتجات الشركة بسبب تسويقه داخلون تحت عباءته، وكذلك كل مَنْ يدخل فيها بسبب الجيل الأول، وهكذا.

وقد ظهرت في الغرب صورة احتيالية للتسويق الهرمي، فجاءت القوانين بحظرها وتصنيفها ضمن معاملات الغش التجاري، فتم منعها في أمريكا، ومعظم أوروبا، بل حذرت أمريكا من هذا النوع من التسويق الهرمي على مواقعها الرسمي https://www.sec.gov/enforce/invesor…

ج– لقد اختلط مفهوم التسويق الهرمي بالتسويق الشبكي، لذلك قامت هيئة التجارة الأمريكية الفدرالية في بحث قدمه أمينها العام السابق (Debra. Valentine) فوضع معيارًا للتفريق بين النوعين، يتلخص في أن التسويق الهرمي يقوم على اشتراكات مالية مجردة، أو أدخلت السلعة باعتبارها وسيطًا فقط، وعلى تجنيد أكبر قدر ممكن للانضمام لبرنامجهم وليس على أساس استثمار حقيقي، أو بيع حقيقي لمنتجاتهم، فلا توجد لها مبيعات تجزأة في الأسواق، أو لعامة الناس، بل تقتصر على المجندين داخل الهرم فقط.

د- وبذلك يقترب التسويق الهرمي من النظام البونزي، نسبة إلى شارلز بونزي -وهو ايطالي عاش في أمريكا من نهاية القرن 19م إلى بداية القرن 20م، حيث طور نظامًا احتياليًا على هيئة استثمار يقوم على التسويق الممتد القائم على توزيع نسبة من الأموال المأخوذة من الطبقة الجديدة على الطبقة القديمة، وهكذا- وقد تم القبض عليه وسجنه، وحظره بحكم القانون.

ه- وأما التسويق الشبكي فيعتمد على بيع منتجات حقيقية (مثل المكملات الغذائية) للجمهور، ولشبكة الوسطاء الذين يريدون تحقيق العمولات الأكبر من خلال كسب عملاء أكثر، فقد طالب بعض خبراء الاقتصاد بإجازته مع وضع ضوابط حتى لا يتحول إلى تسويق هرمي وهمي، ولذلك يوجد عدد كبير من شركاته في أمريكا وأوروبا وآسيا، حتى أنشئ الاتحاد العالمي لجمعيات التسويق الشبكي (WFDSA) ويضم 59 شركة، ولكن الخبير الاقتصادي البارز في هذا المجال (روبرت ل.فيتز باتريك) أكد أن عددًا من هذه الشركات تمارس انتهاكات للقواعد الحاكمة، حتى حوكم بعضها، ولذلك وضعت الحكومة الكندية بنودًا خاصة بالتسويق الشبكي والهرمي في قانون المنافسة، منها:

1- ألا يشترط على المشاركين دفع مبلغ مالي مقابل عملات على إقناعهم أشخاصًا آخرين بالانضمام.

2- ألا يشترط عليهم شراء كمية معينة من المنتجات بثمن غير التكلفة الحقيقية.

3- أن يكون للمشتركين الحق في إرجاع المنتجات للشركة وفقًا للشروط التجارية.

وفي فرنسا صدر قانون المستهلك (قانون 9596) فمنع أخذ مبلغ مالي من منخرط معين كضريبة انضمام، وفي الصين صدر قرار بمنع شركات التسويق الشبكي عام 1998، وكذلك صدر مثله في البحرين في عام 2015م، وفي السعودية حذرت وزارة الصناعة والتجارة من التسويق الشبكي، وفي سوريا تم إلغاء شركة (كويست نت).

ثالثًا – اختلاف الفقهاء في هذه المسألة:

الرأي الأول: الإباحة بشروط:

ذهب بعض المعاصرين إلى جواز التسويق الشبكي بضوابط، منهم الشيخ عبد الله بن جبرين، والشيخ سلمان العودة، ودار الإفتاء الليبية، والتونسية، واستدلوا بالأدلة العامة من إباحة مطلق البيع، وأن التسويق الشبكي من باب السمسرة القائمة على الجعالة، أو الإجارة ونحوهما، ولكن هذه الأدلة عند مناقشتها لا تصمد أمام واقع التسويق الشبكي، كما أن ضوابطهم افتراضية أو للمستقبل، والفتوى يجب أن تنزل على الواقع بدقة.

فوضعوا ضوابط، من أهمها:

أ- أن تكون السلعة معلومة، ومباحة، وحقيقية، وجدية وغير صورية.

ب- أن تكون الشركة مرخصًا بعملها في الدولة.

3- أن لا يكون في معاملاتها والتعامل معها غش وخداع وتغرير.

ولكن الاشكالية الكبرى تكمن في أن السلعة هي مجرد ستار، وأن القصد الأساسي هو الحصول على العمولات.

الرأي الثاني: تحريمها:

 وهو رأي جمهور الفقهاء المعاصرين الذين ذهبوا إلى تحريمها، منهم: مجمع الفقه الإسلامي بالسودان، ودار الإفتاء المصرية، ودائرة الإفتاء الأردنية، واللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية، ودائرة الإفتاء بفلسطين، وذلك لوجود القمار والميسر، والغرر والربا، وأكل أموال الناس بالباطل، مع وجود الغش والتغرير، بالإضافة إلى آثارها السلبية[1].

رابعًا – الآثار الاقتصادية للتسويق الشبكي والهرمي:

(1) القصد هو العمولة فقط، فذكر عدد من الاقتصاديين الغربيين، والإسلاميين، الآثار السلبية للتسويق الشبكي (ناهيك عن الهرمي)، فقام الاقتصادي المعروف (ستيفن بارت) بتحليل معلومات دعائية لأكثر من 40 شركة تسويق لمنتجات ذات الصلة بالصحة، فانتهى إلى أن جميع هذه المعلومات الدعائية مبالغ فيها بشكل كبير، وأن هذه المنتجات لا تعتبر ذات جدوى، وكفاءة، وأن سبب الإقبال عليها هي الحصول على العمولات.

(2) أن التسويق الشبكي خرج عن دائرة التسويق للسلع والخدمات، وإنما أصبح تجارة في العمولات، حيث يرى (روبرت ل.فيتز باتريك) المتخصص في التسويق الشبكي: أن أضخم شركات التسويق الشبكي تعترف بأن حجم مبيعاتها لغير ممثلي الشركة الراغبين في إنشاء شبكة تسويقية لا تتجاوز 18% فقط.

(3) تحقق الاحتيال والنصب، حيث يرى بعض الاقتصاديين أن الخداع هو من السمات المميزة والمتأصلة في جميع أنظمة التسويق الشبكي.

(4) غالبية المتعاملين خاسرون لحساب الفئة الأكثر قدرة على التسويق، وفي دراسة تحت إشراف (جون تايلور) على مجموعة من شركات التسويق الهرمي، والشبكي توصلت إلى أن معدل الخسارة يقرب من 90%.

(5) التسويق هو نموذج غير عملي، ولاْ إنتاجي، حيث يقول (روبرت ل.فيتز باتريك): فالتسويق الشبكي نموذج غير عملي وغير إنتاجي، بالإضافة إلى أن منتجاته غالية الثمن.

(6) استنزاف موارد الشعب وثرواته وأوقات شبابه من خلال صرفها على التسويق دون تحقيق أي تنمية، مما يفوت فرصًا بديلة للطاقات البشرية، ويهدر أموالاً لو صرفت في التنمية لساهمت في تنمية المجتمع.

خامسًا – الفتوى:

وبناء على كل ما سبق فقد ظهر لي جليًا، ما يأتي:

أولاً: أن التسويق الهرمي حرام وكذلك التسويق الشبكي ومن المحظورات شرعًا؛ لأنهما لا يحققان المصالح العامة، ولا الخاصة إلاّ لفئة محدودة، وبالتالي فهذه المصلحة الجزئية إن وجدت فهي ملغاة كما هو الحال في بعض المصالح الملغاة في الخمور والربا، بل إنهما تترتب عليهما مفاسد ذكرناها عند التطرق إلى الآثار الاقتصادية السلبية، وبالتالي فيدخلان في المفاسد والمضار.

وبالإضافة إلى هذا فإن أدلة المانعين التي ذكرتها بإيجاز، تنهض في الدلالة على حرمة التسويق الشبكي والهرمي، والبونزي ونحوها.

وإذا راعينا مقاصد الشريعة العامة والخاصة بالمال حفظًا وتنمية، والعقود فإنها تدل بوضوح على عدم توافق التسويق الشبكي والهرمي مع هذه المقاصد.

ثانيًا: أما شراء منتجات هذه الشركات دون التسويق، فلا مانع منها شرعًا ما دامت مباحة وموجودة وحقيقية حسب ضوابط البيع أو السلم أو الاستصناع.

ثالثًا: ندعو الأمة الإسلامية، وبخاصة شبابها إلى استثمار أوقاتهم وأموالهم فيما ينفع البلاد والعباد ويحقق التنمية الشاملة، والتقدّم والازدهار.

هذا والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 كتبه الفقير إلى ربّه

 أ.د. علي محيي الدين القره داغي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


([1]) يراجع في تفاصيل هذه الآراء وأدلتها: مواقع دور الإفتاء والمجامع المذكورة، وحداد سويدان: التسويق مفاهيم معاصرة، ط.دار الحامد 2006م ص24، ورمضان وائل: التسويق الشبكي، موقع مجلة الفرقان، ود. أسامة الأشقر: التسويق الشبكي من منظور فقهي ص15، موقع طريق الإسلام، ود. حمزة عدنان مشوقة، وأحمد نعيم حسين: بحثهما المقدم إلى دار الإفتاء العام بالأردن في 3/3/2017، ود. سالم سويلم: مدخل إلى أصول التمويل الإسلامي، نشر مركز نماء 2013م، ص 167-175 .

آخر الفتاوى