حكم والأكل والصرف في مال الحرام المختلط؟

السؤال: امتلك أنا وافراد أسرتي أسهمًا في بنك في السعودية، وقد اشتراها أبي لنا منذ عشر سنين، والآن تضاعفت قيمة الأسهم، وزادت الأرباح لهذا البنك فضرب لنا بنصيب فيها، مع العلم أن هذا البنك ليس إسلاميًا، وبعد علمي بالربا بعت أسهم البنك واشتريت أسهمًا أخرى، لكن رأس المال كله من أرباح أسهم البنك مع العلم أني لم أعلم بحرمتها سابقًا، وأنفقت على نفسي من الأرباح التي صرفت لي، فأفيدوني ماذا أفعل ؛ هل أتخلص من كل النقود الموجودة لديّ في الأسهم الآن، أم ماذا، مع العلم أني الآن أعمل في أسهم الشركات ولا أقرب أسهم البنوك؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

اتفق الفقهاء على أن المال الحرام يجب على حائزه (صاحبه) إعادته إلى مالكه، إن كان معلومًا، أو التخلص منه لصالح وجوه البر والخير، حيث صدر قرار من مجمع الفقه الدولي ينص على أنه: يجب أن تصرف تلك الفوائد في أغراض النفع العام.
هذا إذا كان ذلك ممكنًا، بأن يكون الحرام مميزًا معلومًا، أما إذا لم يكن ذلك ممكنًا بأن اختلط الحلال بالحرام، ولم يمكنه تمييزه منه: اجتهد صاحبه في ذلك وأخذ بالظن الغالب
(على الراجح من قول أهل العلم) في إخراج ما يظنه حرامًا فيتخلص منه في وجوه البر والخير.

وقد ذكر الإمام الغزالي ـ رحمه الله ـ طريقتين لتمييز المال الحرام عن غيره إذا كان مجهول المقدار هما:

1ـ الأخذ باليقين (وهذه لا تخلو من صعوبة وحرج).

2ـ والأخذ بغالب الظن، وضرب لذلك مثلا بأن يكون في يده مال تجارة حرم بعضها فتيقن أن النصف حلال، وأن الثلث حرام، ويبقى سدس يشك فيه، فيحكم فيه بغالب ظنه: إن غلب على ظنه التحريم أخرجه، وإن غلب على ظنه الحل جاز له الإمساك، لأن العبرة بالغالب في كثير من الأمور، ولكن الورع عدم الإمساك.

وأنه إذا أخرج منه نسبة الحرام فإن الباقي يطيب، وقد رد الفقهاء على من يقول: بأنه لا يطيب:

بأن هذا غلو في الدين.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل مراب خلف مالا وولدا، وهو يعلم بحاله (أي أنه حرام) فهل يكون المال حلالا للولد بالميراث أم لا؟

فأجاب: أما القدر الذي يعلم الولد أنه ربا فيخرجه، إما أن يرده إلى أصحابه إن أمكن، وإلا تصدق به، والباقي لا يحرم عليه، لكن القدر المشتبه يستحب له تركه، وإن اختلط الحلال بالحرام وجهل قدر كلا منهما جعل ذلك نصفين.

والخلاصة: أنه يجب على السائل النظر بعمق في هذه الأسهم في البنوك الربوية حيث يجوز له

أن يأخذ رأس المال المدفوع لها، وما عدا رأس المال فهو حرام، أو فيه شبه كبيرة، لأن ما عدا رأس المال إما ناتج عن الفائدة المحرمة (الربا) أو من بعض العمولات التي بعضها حلال وبعضها فيه شبهة.

ومن هنا فإذا علمنا نسبة الفوائد (الربا) لتلك الأسهم فيجب التخلص منها فورا، وما عدا ذلك مما أخذه فهو حلال، ما دام مكتسبا من نشاط حلال، وإن كان الأحوط التخلص منه لصالح وجوه الخير، ما لم يكن محتاجا إليه، وإذا لم يعلم ذلك فالحل الممكن هو ان يبيع تلك الأسهم، ويأخذ من أثمانها ما يلي:

1ـ رأس المال المدفوع أولاً

2ـ عشرة بالمائة من الزيادة على رأس المال وذلك لأن نسبة العمولات لا تزيد على ذلك في الغالب وهي ليست محرمة، وما عدا ذلك من الزيادة على رأس المال والعشرة بالمائة منها، فيجب التخلص منها لصالح وجوه الخير.

وأما الزيادة عن رأس المال الناتجة عن رغبة الناس في شراء تلك الأسهم في السوق، فهذه الزيادة في رأيي تقسم إلى قسمين: خمسين بالمائة تسند إلى العمل فتحل، وخمسين في المائة تسند إلى المال الذي فيه الحلال والحرام، ولو علم نسبة الحرام في رأس المال فأسندت الحرمة إلى مقدار الحرام، والباقي حلال، وهذا استئناس بما فعله عمر مع ابنيه عبد الله وعبيد الله حيث وافق على رأي الصحابة الحاضرين رضي الله عنهم في إسناد نصف الربح إلى العمل، ونصفه إلى راس المال.

وإذا لم يعلم فإنه يمكن تنصيفه إلى نصفين: نصف يعتبر حلالاً، والنصف الآخر يعتبر حرامًا استئناسًا بما قاله ابن تيمية كما سبق.

فلنضرب لذلك مثالين:

المثال الأول: رجل له سهم في البنك الربوي اشتراه بعشرة ريالات، ثم طال الزمن فباعه بعشرين ريالاً، وهي قيمته الدفترية (الحقيقية حسب الميزانية) فينظر إلى الحرام منه والحلال، فالحلال هو: رأس المال عشرة ريالات.

عشرة بالمئة من الزيادة وهي تساوي ريالاً واحدًا، والباقي وهو تسعة ريالات حرام يجب التخلص منه.

المثال الثاني: أنه في نفس المثال السابق باع الرجل السهم بثلاثين ريالاً، أي كان الربح الزائد بسبب الرغبة عشرة ريالات فالحلال منه ما يلي:

1ـ عشرة ريالات (رأس المال)

2ـ عشرة في المائة من الزيادة وهي ريال واحد

3ـ أما الربح الناتج عن البيع ففي نظري يقسم إلى نصفين خمسين في المائة أي خمسة ريالات حلال لأنها مسندة إلى عمل، وخمسين في المائة أي خمسة ريالات أي مسندة إلى رأس المال، وبما أن رأس المال عشرة ريالات والمال ا لزائد (المحرم) عشرة (تقريبا) إذا نأخذ منها خمسين في المئة من النسبة الأخيرة، وهي تساوي ريالين ونصف لصالح رأس المال الحلال والباقي حرام.

والخلاصة: يحل له من هذه الثلاثين ما يلي: 10+1+5+2,5=5و18 أي ثمانية عشر ريالاً ونصف ريال، والباقي وهو 5 و11 حرام يجب التخلص منه. والله أعلم.

آخر الفتاوى