أنا شخص لي علاقة صداقة ببعض الأشخاص المسلمين المؤثرين في بعض الدول التي يعيش فيها المسلمون أقلية مستضعفة……
والسؤال هو: هل يجوز دفع الزكاة، والصدقات العامة، والأموال التي فيها شبهة، أو ما يسمى بأموال التطهير والتنقية، لأجل مساعدة هؤلاء الأشخاص في الانتخابات حتى ينجحوا للبرلمان، أو للوظائف العليا المؤثرة في البلد، ولا يخفى على فضيلتكم أنه بدون الدعم المادي يكون من الصعب نجاحهم في مثل هذه الانتخابات التي تحتاج إلى الدعاية والاعلام وصرف الأموال، فأفيدونا ببيان حكم الشرع أفادكم الله وجزاكم الله خيرًا………
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه…… وبعد
فإن هذا السؤال يتضمن أمرين مهمين:
الأمر الأول: صرف أموال الزكاة في الانتخابات التي يرجى منها نجاح بعض الأشخاص المسلمين للدخول في البرلمان، أو للوصول إلى الوظائف العليا من الوزارة، او الرئاسة؟ وبالنسبة لأموال الزكاة فلها خصوصية في مصارفها، حيث حددها الله تعالى في الكريم بالمصارف الثمانية المعروفة (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:60) وبالتالي فإذا أعطيت أموال الزكاة لهؤلاء المسلمين المتوقع نجاحهم، واشترط عليهم أن يصرفوها على الفقراء والمساكين المسلمين في بلدهم، وبالتالي فهم يكسبونهم بهذه الصدقات، فهذا جائز شرعًا لا غبار عليه، حيث صرفت الأموال في مصرفها الحقيقي، وتحققت منه فائدة أخرى، وهي التفاف المسلمين حول قائدهم المسلم.
وكذلك إذا صرفوا هذه الأموال لدفع دين الدائنين أو لرفع الجوائح، والتكافل الاسلامي، فهو أيضًا جائز، لأنه صرف في مصرف “الغارمين”، وكذلك إذا صرفت هذه الأموال للدعاة الذي يدعون إلى الله تعالى، وفي نفس الوقت يدعون إلى الوحدة والتفاف المسلمين حول هؤلاء المسلمين الذي يرجى منهم الخير في حالة نجاحهم.
بل إن المعركة الانتخابية إذا أريد بها الوصول إلى تحكيم شرع الله تعالى، وإقامة العدل فهي في سبيل الله تعالى، وبالتالي يجوز صرف الزكاة من مصرف” في سبيل الله” لأجل الوصول إلى هذا الهدف المنشود.
وفي هذه الحالة الأخيرة يشترط عدة شروط:
أن يكون البرنامج واضحًا، وهو الوصول إلى تمكين شرع الله تعالى.
أن يكون الأشخاص مهيئين لتحكيم شرع الله تعالى ويظهر منهم الصدق والاخلاص في تعاملاتهم.
أن يكون نجاحهم في الانتخابات بارزًا راجحًا، وليس موهومًا، فلا يجوز صرف الزكاة إلاّ لتحقيق مصالح، الظاهر منها الوصول إليها، وليست مصالح موهومة أو غير ممكنة التحقيق.
أن يكون هناك اشراف من جهة أو أشخاص موثوق بهما على هذه الأموال حتى لا تصرف إلاّ في وجهها.
ويدل على جواز ذلك أن الجهاد في الاسلام يشمل الجهاد بالكلمة والقول والبيان والدعوة إلى الله تعالى كما يشمل القتال في سبيل الله بضوابطه، وإنفاق المال في سبيل الله، ولذلك قرن الله تعالى بين الجهاد بالمال والجهاد بالنفس، بل قدم الجهاد بالمال في معظم الآيات القرآنية.
فالعمل الجاد المخطط المبرمج الهادئ الهادف لتمكين شرع الله، وتطبيق عدالة الاسلام، جهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة جهاد، والاعلام الاسلامي الهادف لخدمة الاسلام ونشره والدفاع عنه جهاد في سبيل الله، فقال تعالى: (وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) (الفرقان: من الآية52) حيث قال جماعة من المفسرين معناه: جاهد الكفار بالقرآن عن طريق بذل الجهد في الأداء، والدعاء، والدعوة جهادًا كبيرًا أي جهادًا جامعًا لكل مجاهدة[1].
هذا وقد صدرت فتوى من الندوة الأولى للهيئة الشرعية العالمية لقضايا الزكاة التي انعقدت في القاهرة 14-16 ربيع الأول 1409هـ / 25-27 أكتوبر 1998م جاء فيها: (أن مصرف (في سبيل الله) يراد به الجهاد بمعناه الواسع الذي قرره الفقهاء بما مفاده حفظ الدين وإعلاء كلمة الله ويشمل مع القتال الدعوة إلى الإسلام والعمل على تحكيم شريعته ودفع الشبهات التي يثيرها خصومه عليه وصد التيارات المعادية له.
وبهذا لا يقتصر الجهاد على النشاط العسكري وحده.
ويدخل تحت الجهاد بهذا المعنى الشامل ما يلي:
تمويل الحركات العسكرية الجهادية التي ترفع راية الإسلام وتصد العدوان على المسلمين في شتى ديارهم مثل حركات الجهاد في فلسطين و.. و…،….
دعم الجهود الفردية والجماعية الهادفة لإعادة حكم الإسلام وإقامة شريعة الله في ديار المسلمين ومقاومة خطط خصوم الإسلام لإزاحة عقيدته وتنحية شريعته عن الحكم.
تمويل مراكز الدعوة إلى الإسلام التي يقوم عليها رجال صادقون في البلاد غير الإسلامية بهدف نشر الإسلام بمختلف الطريق الصحيحة التي تلائم العصر وينطبق ذا على كل مسجد يقام في بلد غير إسلامي يكون مقرا للدعوة الإسلامية.
تمويل الجهود الجادة التي تثبت الإسلام بين الأقليات الإسلامية في الديار التي تسلط فيها غير المسلمين على رقاب المسلمين، والتي تتعرض لخطط تذويب البقية الباقية من المسلين في تلك الديار).
الأمر الثاني: صرف أموال الصدقات العامة، والأموال التي فيها الشبهة، أو أموال التطهير والتنقية وأموال الربا……….
هذه الأموال يجوز صرفها في كل وجوه الخير، بل في كل ما فيه مصلحة للمسلمين وللدعوة الاسلامية، بل يجوز صرفها لغير المسلمين ما دامت فيه مصلحة واضحة، وبذلك صدر قرار من مجمع الفقه الاسلامي الدولي، وهو القرار رقم 13(1/3) حيث نص على أنه: (يجب أن تصرف تلك الفوائد في أغراض النفع العام، كالتدريب، والبحوث، وتوفير وسائل الاغاثة، وتوفير المساعدات المالية للدول الأعضاء، وتقديم المساعدات الفنية لها، وكذلك للمؤسسات العلمية، والمعاهد، والمدارس وما يتصل بنشر المعرفة الاسلامية)[2].
هذا والله أعلم بالصواب
آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
([1]) التفسيرالكبير للإمام الرازي ط. دار إحياء التراث العربي ببيروت (24/100)