فتوى معاصرة حول إنشاء مركز تسوّق “مول”:

فقد وردني هذا السؤال من أخ كريم” وابن أخ كريم رحمه الله تعالى “، مفاده ما يأتي:

السؤال: (عقد النية على إنشاء مركز للتسوق” مول” وكما تعلمون بأنه كالعادة محتواه على عدة محلات تجارية ومطاعم…. الخ، ولا يخلو من دور للسينما وعليه، يرجى إفادتنا كتابيًا بفتوى كريمة من شخصكم الكريم والفقيه بإذن الله عن مدى جواز ذلك، وأيضًا حرمة ذلك الأمر إن تم التأجير من قبلنا كمالك للمركز المذكور على جهة أخرى تستثمره لدار السينما).

الجواب:

أـ فمن المعروف في شريعتنا الغراء أن الأشياء المستأجرة تظل في ملكية صاحبها المؤجر، ولذلك لا يجوز أن يؤجرها لغرض حرام، كاستخدامها لخمارة، أو لبنك ربوي، أو نحوهما من المحرمات، وإذا تم العقد على هذه الأغراض المحرمة فإنه عقد فاسد شرعًا، لأن المنفعة فيه (محل العقد) محرمة، والمحرمات لا حرمة لها، ولا يجوز اجراء العقود عليها.

ب ـ وكذلك لا يجوز تأجيرها لأعمال غالبها محرم، لأن للغالب حكم الكل.

ج ـ ولكن جماعة من الفقهاء القدامى والمعاصرين، أجازوا تأجير العين المؤجرة لأنشطة عامة قائمة على الحلال كالتجارة المشروعة، ونحوها، ولكن يشوبها بعض المحظورات، أو يخصص جزء منها لنشاط ترفيهي قد يكون فيه نوع من الشبهة، مثل ما هو وارد في السؤال، وهو تأجير مركز للتسوق” مول” داخل دولة قطر، يكون النشاط الأساس والغالب الأعم هو النشاط الحلال، ولكن يستغل المستأجر جزءًا من المبنى كدار للسينما تعرض فيه الأفلام الترفيهية، والكارتونية، ونحوهما.

وقد صدرت بجواز التأجير لمثل ما سبق فتوى من ندوة البركة الثامنة للاقتصاد الاسلامي والمنعقدة بمدنية جدة في الفترة 8-9 رمضان 1413هـ الموافق 1-2 مارس 1993م، والتي يحضرها عدد من علماء الأمة، منهم الشيخ محمد الغزالي، والدكتور الصديق الضرير، وغيرهما، وقد نصت هذه الفتوى على أنه: (يجوز تأجير العقار لمن يبيع فيه سلعًا غالبها حلال أو يقدم فيه خدمات أكثرها مباح، ولو اقترن بذلك بيع بعض السلع المحرمة أو تقديم بعض الخدمات الممنوعة شرعًا لأن الغرض الأساسي من التأجير هنا مشروع في الجملة وهو المتاجرة بالسلع والمنافع التي يغلب فيها المباح ويكون اثم المتاجرة بالمحرمات على المستأجر، ولا تمنع هذه الاجارة مراعاة للغالب ويسترشد لمعرفة الغلبة بحجم النشاط).

فهذه الفتوى مبنية على قاعدة فقهية معتمدة في الفقه الاسلامي، وهي قاعدة (يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في المتبوع) وهي مستندة على بعض الأدلة المعتبرة من الأحاديث الصحيحة.

وبناء على ذلك فإن ما ورد في السؤال يدخل في هذه الفتوى بصورة واضحة، وذلك لأن دار السينما التي تعرض الأفلام ليست كل أفلامها محرمة، ففيها الحلال، وفيها ما فيها شبهة، حيث لا يمكن أن تعرض فيها أفلام الجنس ونحوها من المحرمات، وبالتالي فإن الجواب على ضوء هذه الفتوى الجماعية هو الجواز إن شاء الله، وإن كان الأولى ترك ذلك.

هذا والله أعلم بالصواب

آخر الفتاوى