فتوى بشأن مصارف إيرادات التبرعات الخاصة بالجمعية القطرية للسرطان

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:

فقد وردتني مجموعة من الأسئلة من الجمعية القطرية للسرطان – وهي واحدة من المنظمات الخيرية الانسانية والتي تهدف إلى زيادة الوعي لدى أفراد المجتمع بمرض السرطان وكيفية الوقاية منه، وذلك عن طريق التنظيم والمشاركة في الفعاليات والاحتفاليات المحلية الهادفة إلى نشر الوعي من خلال الأنشطة المصاحبة والمطبوعات والمنشورات التثقيفية المختلفة، كما وتدعم البحوث والدراسات الخاصة بالسرطان والاطلاع على أحدث الوسائل العلاجية لمواجهة هذا المرض نجيب عنها متوكلين على الله تعالى وتوفيقه.

السؤال الأول: هل يجوز تغطية المصروفات التشغيلية المتعلقة مباشرة بتحصيل التبرعات كالرواتب والمصروفات المباشرة لقسم التحصيل بالكامل أو حسب الحاجة من حساب ايرادات المرضى؟

الجواب:

 إن المصروفات التشغيلية للجمعية – كما في وردتني في رسالتهم – تشمل: (أ) مصروفات علاج المرضى غير القادرين على دفع تكاليف العلاج. (ب) مصروفات خاصة بجمع التبرعات للمرضى وهي: رواتب المحصلين ومشرفي التحصيل، والعدد والأدوات الخاصة بالتحصيل مثل الطاولات والأجهزة، ومصروفات طباعة الكوبونات وايصالات الاستلام، (ج)‌ المصاريف الخاصة بالتوعية، وهي رواتب التثقيف الصحي والوسائل المستخدمة في عملية التوعية بمرض السرطان والوقاية منه.

وبناء على ذلك فإن الجواب كالآتي:

أ- يجوز دفع مصروفات علاج المرضى غير القادرين على دفع تكاليف العلاج، من أموال الزكاة، والصدقات العامة والوقف، ومن مبالغ تنقية وتطهير أرباح الأسهم، التي تتبرع بها بعض الجهات المالية، دون الالتزام بالنسبة، وإنما بحسب العدل، إلاّ ما خصص لجهة معينة حيث تكون لها الأولوية.

 وذلك لأنهم داخلون في الفقراء والمساكين، وإذا كانوا مدينين للعلاج أو نحوه وليس لهم قدرة على الأداء، وحينئذ ينطبق عليهم وصف (الغارمين) فهم داخلون في مصاريف الزكاة المنصوص عليها في القرآن الكريم (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 60] وكذلك يُصرف لهم ما خصص لهم وما جمع لهم من الأموال.

ب- وأما المصروفات الخاصة بجمع التبرعات، فيجوز صرفها من أموال الزكاة والصدقات العامة على أن لا تزيد عن 12,5% عن مجموع هذه الأموال، وهذا ما صدر فيه فتوى جماعية من الهيئة العالمية للزكاة، وذلك لأن هؤلاء داخلون فعلاً في مصرف (والعاملين عليها) أي الذين يقومون بجمع الزكاة وصرفها.

السؤال الثاني: في حال عدم جواز دون تحديد نسبة، فما هي النسبة التي يجوز للجمعية استقطاعها من التبرعات لسداد الاحتياجات التشغيلية؟ علمًا بأن رواتب قسم التحصيل السنوية دون المصاريف التشغيلية الأخرى تقدر بـ35% من إجمالي الإيراد السنوي الخاص بالمرضى.

الجواب:

 إن النسبة المسموح بها للمصروفات الادارية والتشغيلية المحضة قد ذكرناها في الجواب السابق عن السؤال الأول، حيث لا يجوز أن تزيد عن 12,5% بالنسبة للزكاة والصدقات العامة وعن الأموال المخصصة لعلاج نوع معين من المرض، أو لجميع المرضى، وذلك لأن المصروفات إذا زادت عن هذه النسبة فهذا دليل على وجود خلل في الإدارة والمصروفات، لا يجوز أن يحمل ذلك على الأموال الخيرية، ولأن أصحابها لا يمكن أن يقبلوا بأكثر من ذلك، فلو قلتم لشخص تصدق بمال على العلاج الفلاني، وأنا آخذ منه 20% أو 30% فهل يقبل ذلك؟

 لذلك فيجب على الإدارة الخاصة بالجمعيات والمؤسسات الخيرية أن تتقي الله تعالى، وتقتصد في المصروفات، بل المفروض أن تسعى لأن تأخذ أقل من 12,5%.

والحلّ في حالة زيادة المصروفات عن هذه النسبة هو البيان والشفافية وذلك بالرجوع إلى أهل المال والخير بأن يعرض عليهم التبرع لصالح الجمعية وإدارتها من غير أموال الزكاة، وحينئذ فإن ما يخصص للإدارة حق لها في الصرف الإداري دون إسراف ولا تقتير.

ونذكر هنا مصادر التمويل للجمعية، وبيان الحكم الشرعي لكل مصدر من خلال الجواب:

1ـ تبرعات خاصة بالمرضى لتغطية مصاريف علاج المرضى.

الجواب:

يجب الالتزام بصرف هذه التبرعات فيما خصصت له، ويجوز اقتطاع النسبة المذكورة 12,5% أو الأقل منها، من هذا القسم أيضًا إذا كانت المصاريف الادارية لا تغطى من بقية المصادر.

2ـ تبرعات خاصة بأنشطة الجمعية لتغطية الأنشطة والمصروفات العمومية.

3ـ دعم مقدم من الدولة لتغطية الأنشطة والمصروفات العمومية.

والجواب عن هاتين الفقرتين:

هو أن هذه الأموال لا بد أن تفصل، ولذلك بأن يبين عند التبرع نوع الصرف، هل هي للأنشطة أم للإدارة فإذا كانت للأنشطة فتصرف عليها مخصومًا منها النسبة المذكورة، أما إذا كانت للمصروفات الإدارية فتصرف فيها بالعدل دون إسراف ولا تبذير.

 وبالنسبة للدولة فينبغي أن يرسل إليها طلب محدد فيها الأنشطة، والمصروفات الادارية، مع طلب بيان التخصيص، وإذا لم تحدد، أو لم يمكن ذلك فيتحمل على النصف 50% للإدارية، و50% للأنشطة.

تقسيم طرق تحصيل التبرعات وحكمها الشرعي:

علمنا من خلال الكتاب المرسل إلينا من الجمعية، أن طرق تحصيل التبرعات تتم بالشكل الآتي:

1ـ عن طريق طاولات التحصيل، وتكون عن طريق إيصالات استلام، أو عن طريق قسائم تبرع ـ كوبونات ـ مصنفة حسب الجدول بالشكل الآتي: كفالة سرير، علاج مرضى السرطان، صدقة جارية، إعانة أطفال مرضى السرطان، دفع بلاء، داووا مرضاكم بالصدقة، تفريج كربة، دعم برامج التوعية.

2ـ عن طريق الصناديق، ولا يتم تحديد أوجه الصرف فيها من قبل المتبرع، حيث يكتب على الصندوق اسم الجمعية القطرية للسرطان فقط.

3ـ عن طريق التبرع المباشر في مقر الجمعية، ويحدد المتبرع فيه وجه الصرف بتخصيصه لمصاريف علاج المرضى أو لمصاريف الجمعية الأخرى.

الجواب:

 إن هذه الطرق مشروعة من الناحية الشرعية فلا غبار عليها، ولكن بالنسبة لكيفية الصرف من مواردها فالحكم الفقهي فيها كالآتي:

(1) أن ما يجمع من قسائم التبرع (الكوبونات) يجب الالتزام فيها بشروط المتبرع، أو الواقف حسب كل كوبون، في ضوء ما يأتي:

أ- إن ما يجمع لكفالة سرير، أو لعلاج مرضى السرطان، أو إعانة أطفال مرضى السرطان، أو دعم برامج التوعية، يجب أن يصرف كل ما يجمع لأي صنف من هذه الأصناف إلى الصنف نفسه دون تجاوزه.

ب- الكوبونات المصنفة تحت عنوان (صدقة جارية)، هي وقف، وبالتالي توضع هذه المبالغ في حساب في أحد البنوك الإسلامية أو تستثمر من خلال شراء عقار ويستفاد من أجرته، وحينئذ يصرف من ربحه أو أجرته لأغراض الجمعية من العلاج ونحوه، ويمكن أن يصرف 50% من أرباحه أو أجرته لتغطية مصاريف الجمعية الفعلية إن احتاجت حاجة شديدة، وإلا فتصرف كل الأرباح أو الأجرة في أغراض الجمعية من علاج المرضى المصابين بالسرطان.

ولكن الأفضل أن يصرف من الأرباح والأجرة الثلثان، ويعاد الثلث لتقوية الوقف.

ج- بخصوص الكوبونات المصنفة بعنوان (دفع بلاء) و (داووا مرضاكم بالصدقة) و (تفريج كربة)، يجب أن تصرف مبالغها في علاج المرضى، وما تقتضيه من المساعدات والمعونات للمرضى أنفسهم.

ويجوز للإدارة أن تأخذ من أصل المال بما لا يزيد عن 12,5%.

(2) ما يتم جمعه من خلال جمع التبرعات عن طريق الصناديق، فإن ما يجمع فيه يجوز صرفه لجميع أغراض الجمعية من العلاج وشراء الأجهزة وكل ما يحقق أهداف الجمعية بشرط العدل وعدم الافراط في صرفها، كما أن لإدارة الجمعية الحق في أن تأخذ نسبة منه لا تزيد عن 12,5%.

(3) ما تم جمعه من خلال جمع التبرعات عن التبرع المباشر في مقر الجمعية، حيث يحدد المتبرع فيه وجه الصرف، ففي هذه الحالة يجب الالتزام بما حدده المتبرع تنفيذًا لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) [المائدة: 1] وقوله تعالى: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 34] وقوله تعالى في الموصى عندما يوصي: (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 181].

السؤال الثالث: باعتبار الايرادات الخاصة بالمرضى مقسمة إلى عامة غير مقيدة (مثل الصناديق) وأخرى مقيدة ومخصصة مثل (الكوبنات بتسمياتها المذكورة) هل هناك تمييز في المقدار الذي يجوز استقطاعه بين القسمين؟

الجواب:

 قد شرحنا في الفقرة السابقة تفصيلاً حول كيفية الصرف، ولكن بالنسبة للاستقطاع الاداري فإن أقصى ما يمكن استقطاعه من هذه الأموال سوى ما هو مخصص للجمعية وإدارتها هو 12,5%.

هذا والله أعلم بالصواب

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

وصلى الله على سيدنا وعلى آله وصحبه وسلم

 كتبه

 أ.د. علي محيي الدين القرة داغي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

 الدوحة في 07 ذو الحجة 1436ه

 الموافق 20 سبتمبر 2015

آخر الفتاوى