فقد وردتني استفسار حول حكم شراء مبنى تجاري خارج ديار الإسلام، وهو مؤجر لشركة لبيع المواد الغذائية والمأكولات، ولا تخلو مبيعاتها من لحوم الخنازير والخمور.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن مما لا شك فيه أن السعي للحلال الذي لا شبهة فيه هو المطلوب، ولكن ديننا يسر وقد رفع الحرج عنا ولا سيما عند عموم البلوى.
وفي المسألة المطروحة والخاصة بـ(خارج ديار الإسلام والمسلمين) التي تخص شراء مكاتب أو محلات (أو مول) وهي مؤجرة أساسًا، وضمن مبيعاتها لحوم الخنازير والخمور.
فهذه الحالة تختلف من حالة التأجير المباشر من قبل مسلم، حيث لم يتم تعاقد المسلم للتأجير لبيع المحرم.
فالحكم في هذه المسألة المعروضة كالآتي:
أولاً- البيع صحيح لأنه وارد على ملكية شيء يصبح بيعها، وأن قيام بعض المستأجرين ببيع الخمور أو الخنزير جاء تبعًا، وقد قال الفقهاء: يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع.
ثانيًا- أما بالنسبة للتأجير والأجرة، ففيه حالتان:
أ- حالة ما إذا كان المحل خاصًا بالمحرمات فيجب على المالك السعي لفسخ العقد ما دام ذلك ممكنًا، ولا يترتب عليه إضرار به.
وفي حالة البقاء فيجب التخلص من جميع الأجرة التي تصل إليه، ويصرفها في وجوه الخير والنفع العام.
كما يجب عليه عدم تجديد العقد عند انتهائه، أو بيعه بأقرب فرصة ممكنة.
ب- حالة ما إذا كان المحل كبيرًا، مثل (المولات) أو (المجمعات التجارية) أو (الهايبر ماركيت) وكان الأصل فيها تبادل ما هو مشروع حيث تباع فيها السلع والبضائع المباحة بنسبة كبيرة، ولكن فيها نسبة من هذه المحرمات.
ففي هذه الحالة يجب التخلص من الأجرة التي تخص الجانب المحرم، فمثلاً لو كانت نسبة الإيرادات من المحرمات 5% أو أقل منها بالنسبة لإجمالي الإيرادات فيجب التخلص منها.
والخلاصة ما يأتي:
(1) أنه لو اشترى عقارًا فيه منفعة محرمة لأجل بيعه فقد صدرت فتوى من الهيئة الشركة لندوة البركة فتوى رقم (5/28) بجواز شراء عقارات أو محلات للاستثمار، ثم بيعها بعد فترة وجيزة حيث نصت على أن المشتري (لا علاقة له بالتصرف المحرم الذي جرى على مسؤولية المستأجر والمالك الأول، وان الفترة التي تملك خلالها البنك العقار هي غير مقصود…).
(2) لا يجوز تجديد التأجير لأي منفعة محرمة مقصودة فيما بعد.
(3) خلال فترة التأجير يجب التخلص من نسبة الأجرة التي تخص الخمور ولحوم الخنزير وصرفها في وجوه الخير.
(4) هناك فرق بين محل خاص بالمحرمات فهذا لا يجوز شراؤه إلاّ بقصد الغاء عقد الإجارة المحرمة ولا يجوز التأجير له، ولا تجديد عقده، بالاتفاق، ويجب التخلص من جميع الأجرة المحرمة.
وأما في المحلات الكبيرة التي غالب أعمالها حلال – كما سبق – ففي هذه الحالة إذا كانت نسبة الأجرة المحرمة أقل من 5% بان تكون 95% من أنشطة المستأجر أو أكثر حلالاً فهذا قد أجازه بعض الفقهاء المعاصرين بشرط التخلص من نسبة الحرام، وبشرط أن يقع العقد على تأجير المحلات دون ذكر المحرمات، وبشرط السعي الجاد لتغيير المستأجر بقدر الإمكان أو أن يبيعه إذا عجر عن التغيير بأقرب فرصة ممكنة. هذا والله أعلم بالصواب
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه الفقير إلى ربه
أ.د. علي محيى الدين القره داغي
الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث