فتوى حول: إنشاء مواقع للحجر الصحيّ من أموال الزكاة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

فقد وردنا استفسار حول مسألة تخص العمل الخيري والإنساني في دولة مجاورة لدول أخرى، حيث جاء فيه أنه: في ظل الظروف الحالية لوباء كورونا يتأثر سائقي الشاحنات ومساعديهم والعمالة المصاحبة لهم، والذين يتحركون ضمن الحركة التجارية العابرة للحدود بين تلك الدول ذهابًا وعودة، فتطبق عليهم الضوابط والقيود والإجراءات الاحترازية المطبقة لمنع انتشار وباء كورونا (كوفيد 19)، فيتم حجرهم صحيًا عند الدخول والخروج لفترات قد تصل إلى أكثر من عشرين يومًا، في مناطق قاحلة لا تتوفر فيها الخدمات الضرورية، علمًا بأن معظم هؤلاء السائقين ومساعديهم يعملون كأجراء وأوضاعهم المادية في غاية السوء وتمثل فترة الحجر هذه بالنسبة لهم الكثير من المتاعب إذ لا يستطيعون تحمل تبعاتها المعيشية، كما أن هذه الدولة لا تستطيع توفير مناطق للحجر الصحي تتوفر فيها المتطلبات الصحية والمعيشية الضرورية في تلك المناطق الحدودية.

وحيث تنوي الجمعية إنشاء عدد من مواقع للحجر الصحي في تلك الدولة، فهل يجوز للجمعية استخدام أموال الزكاة لإنشاء هذه المواقع.

وقد نظرت في هذه النازلة الجديدة متضرعًا إلى الله تعالى أن يعصمني من الخطأ في العقيدة والقول والعمل والاجتهاد، فشرح الله صدري إلى ما يأتي:

أولاً – مصارف الزكاة:

فإن الله تعالى قد خصص الزكاة ولم يترك أصولها حتى للسنة المطهرة، حيث حصرها في ثمانية أصناف فقال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[1].

وبناء على ذلك فإن هؤلاء المسلمين من السائقين ومساعديهم والعمالة المصاحبة لهم إنما يستحقون الزكاة كونهم يندرجون تحت مصرف (الْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ)، وتخصيص سهم من أموال الزكاة لابن السبيل دليل على مدى عناية الاسلام بالسفر لأجل الرزق، أو العلم، أو الجهاد، أو الحج، أو نحو ذلك من الأمور المطلوبة في الاسلام، وهو في الوقت نفسه لون من التكافل الاسلامي وعناية بالغرباء والمنقطعين حيث ضمن لهم من الأموال ما يوصلهم إلى مقاصدهم.

فيجوز أن تعطى له من أموال الزكاة، فقد أدى وباء كورنا إلى تفاقم الفقر في العالم الإسلامي وبخاصة في الدول التي تفشى فيها، إلى زيادة حاجتهم إلى الأموال لشراء حاجياتهم الضرورية، فازداد على ضعفهم وفقرهم مشكلة المرض، أو احتمالية المرض، وعدم العمل مع كثرة أعباء الحياة.

ثانيًا- استخدام أموال الزكاة لإنشاء مواقع للحجر الصحي:

والذي يتعلق بموضوع السؤال هو المصرف الخاص بـ (وَابْنِ السَّبِيلِ)، إذ يجوز توسيع دائرته ليشمل كل أعمال الخير ذات الصلة، فيدخل في مصرف” ابن السبيل” المنشئ للسفر لمصلحة عامة يعود نفعها لدين الاسلام، أو للجماعة المسلمة كمن يسافر في بعثة علمية، أو عملية يحتاج إليها بلد مسلم، وهذا على رأي الشافعية الذين أجازوا ذلك وأدخلوا المنشئ للسفر في (وابن السبيل) [2]، فيدخل في هذا المصرف إنشاء دور خاصة بابن السبيل والغرباء كما فعل ذلك الخلفاء الراشدون.

وبناء على ذلك فإننا نعتمد على مصرف (ابْنِ السَّبِيلِ) وفقًا لفهم السلف الصالح رضي الله عنهم، بالإضافة إلى رأي بعض العلماء من توسيع (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) لتشمل المصالح العامة في أحد قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، بناء على الحديث الثابت: (الحج من سبيل الله) [3].

وهذا التوسع المعتدل رأي جماعة من الصحابة منهم ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم، وبعض التابعين [4].

فقد صدرت قرارات، وفتاوى جماعية تدل على مشروعية ذلك بضوابط، منها:

أ- قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي (قرار رقم 15(3/3) ينص على أنه: (يجوز من حيث المبدأ توظيف أموال الزكاة في مشاريع استثمارية تنتهي بتمليك أصحاب الاستحقاق للزكاة، أو تكون تابعة للجهة الشرعية المسؤولة عن جمع الزكاة وتوزيعها، على أن يكون بعد تلبية الحاجة الماسة الفورية للمستحقين وتوافر الضمانات الكافية للبعد عن الخسائر)[5].

ب- وفتوى الهيئة الشرعية العالمية للزكاة في ندوتها الثالثة التي ضمت 34 عالمًا وباحثًا شرعيًا، واقتصاديًا، هذا نصها:

(3- يجوز إقامة مشروعات خدمية من مال الزكاة كالمدارس والمستشفيات والملاجئ والمكتبات بالشروط التالية:

أ – يفيد من خدمات هذه المشروعات مستحقوا الزكاة دون غيرهم إلا بأجر مقابل لتلك لخدمات يعود نفعه على المستحقين.

ب – يبقى الأصل على ملك مستحقي الزكاة ويديره ولي الأمر، أو الهيئة التي تنوب عنه.

ت – إذا بيع المشروع أو صفي كان ناتج التصفية مال زكاة) [6].

ثالثًا- الفتوى (رأي في المسألة):

أ- بناء على كل ما سبق يجوز صرف الزكاة لهؤلاء السائقين ومن معهم تحت مصارف الفقراء والمساكين، وإن لم يكونوا من مصرف (ابْنِ السَّبِيلِ).

ب- وكذلك يجوز صرف جزء من الزكاة لشراء (كابينات) أو (بيوت متحركة) أو (إنشاء مواقع للحجر الصحي)، بالضوابط الآتية:

1- أن تخصص هذه المواقع والكابينات لأبناء السبيل (أي السائقين ومن منع من السفر والحركة)، أو أن تخصص للمرضى الفقراء.

2- أن تلتزم الجمعية المشرفة على هذه الأعمال والمنشآت بالحفاظ عليها واستعمالها لأبناء السبيل، أو إعطائها للفقراء والمستحقين، أو بيعها بعد انتهاء الحاجة إليها، وصرف قيمتها على مصارف الزكاة المعروفة.

3- أن تحرص الجمعية المشرفة على شراء بيوت متنقلة قابلة للاستفادة منها لصالح أبناء السبيل أو الفقراء والمستحقين، أو تسليمها لجهة خيرية لاستعمالها لصالح الفقراء والمستحقين.

هذا والله أعلم بالصواب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

        كتبه الفقير إلى ربه

 أ.د. علي محيى الدين القره داغي

 الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

                      وأستاذ الشريعة والاقتصاد الإسلامي بجامعة قطر

 الدوحة في 24 رمضان 1441هـ  الموافق 17 May 2020  

([1]) سورة التوبة / الآية 60 ويراجع لتفسيرها: جامع البيان للطبري بتحقيق الشيخ شاكر (4/320).

([2]) يراجع: الغاية القصوى في دراسة الفتوى، للقاضي البيضاوي تحقيق ودراسة وتعليق أ.د. علي محيى الدين القره داغي (1/393). ط. 1980م

([3]) رواه أبو داود 1989، وأحمد 27170، قال الحافظ في الفتح (3/389): (إسناده صحيح) .

([4]) يراجع: المغني لابن قدامة (6/334)

([5]) يراجع مجلة مجمع الفقه، العدد3 الجزء1 ص 309

([6]) يراجع: فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة، فتاوى وتوصيات الندوة الثالثة ص 80

آخر الفتاوى