زكاة الزروع

فتوى حول: وجوب الزكاة في التمور والثمار والحبوب داخل البيوت وخارجها إذا بلغت النصاب

فقد كثرت الأسئلة في الآونة الأخيرة حول: مدى وجوب الزكاة في التمور (أو الثمار) التي تنتج من الأشجار المزروعة داخل البيت، وكنت قد سُئلت في المسجد أثناء القائي الدروس، وأجبت: بنعم تجب فيها الزكاة، وأستغرب بعض الحاضرين بأنه هذا غير معقول.

لذلك ارتأيت أن أكتب هذه الفتوى بشيء من التفصيل.

الجواب:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

أولاً- أدلة وجوب الزكاة في الزروع والثمار:

إن زكاة الزروع ثابتة بالقرآن الكريم والسنة الصحيحة والإجماع، وعلى مالكها أداؤها إذا بلغت النصاب.

فمن القرآن الكريم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ) [سورة البقرة: 267] فالأمر بالاتفاق هنا للوجوب، وقال المفسرون: الآية تدل على وجوب الزكاة فيما تخرجه الأرض من الثمار والحبوب ونحوهما.

ومنه أيضًا قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) [سورة الأنعام: 141] فالمراد بالحق هنا هو الزكاة المفروضة (أي العشر أو نصف العشر) يراجع تفسير الطبري (12/156).

وقد دلت السنة الصحيحة على وجوب العشر فيما تخرجه الأرض من الثمار والزروع أي 10% إذا كانت تُسقى بماء السماء والأنهار، ونحوهما، ونصف العشر أي 5% إذا كانت تُسقى بماء الآبار أو بالتحلية كما في معظم دول الخليج العربي. يراجع: صحيح البخاري، كتاب الزكاة الحديث رقم 1483، ومسلم، كتاب الزكاة الحديث 981.

ثانيًا- مقدار النصاب:

ويشترط فيها أن تبلغ النصاب، حيث دلت الأحاديث الصحيحة المتفق عليها على أن نصابها خمسة أوسق فقال صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق من حب ولا تمر (بالتاء أي التمر) صدقة) رواه البخاري الحديث 1459، ومسلم الحديث 979،

والوسق هو ستون صاعًا، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع، والصاع مكيال، وجمهور الفقهاء المعاصرين على أن النصاب بالكيلو جرام يعادل 647 كغم ستمائة وسبعة وأربعون كيلو جرامًا.

والخلاصة؛

أن مَنْ تُنتج له نخيله 647 كغم ستمائة وسبعة وأربعون كيلو جرامًا من التمر خلال العام تجب عليه الزكاة سواء كانت النخيل داخل البيت أو خارجه.

ثالثًا- ولكن كيف تُحسب ومتى؟

جمهور الفقهاء على أن الكمية تحسب في التمور والعنب بالتخمين قبل النضج أي قبل صلاحيتهما للأكل، وعندئذ يترك لصاحب التمور والعنب الثلث والربع هذا عند الشافعية والحنابلة بناء على أحاديث ثابتة في هذا المجال، ويترك الثلث للأكل، وما يعطيه المالك للجيران، وما يسقط منها نحو ذلك.

وأما عند الحنفية والمالكية وسفيان فلا يترك لمالك الثمرة شيء، بل يحسب عليه كل ما على الشجر من التمر والعنب ونحوهما.

فهؤلاء ذهبوا إلى أنه يُحسب كل ما على الشجر من التمر، حتى أن أهله لو أكلوا منه رطبًا أو أعطوه لجيرانهم أو لضيوفهم قبل الحصار والجني لحسب عليهم، وهذا بلا شك احتياط، وأخذ بالأحوط في حق الفقراء.

وبناء على ذلك يجب على مالك النخيل داخل بيته، أو خارجه أن يحسب ما على شجره من الثمار (التمور والعنب) بالدقة قبل الأكل؛ إما تخمينًا من شخص له خبرة، أو ان يأخذ بالأحوط بالزيادة، فإذا بلغ ثلاثمائة صاع أي (647 كغم ستمائة وسبعة وأربعون كيلو جرامًا) فعليه أن يدفع منه 10% إن كان يسقى بماء السماء، و5% إن كان يُسقى بماء الآبار أو التحلية ونحوهما.

وأما عند الشافعية في القديم، والمالكية والظاهرية فيجوز ان يترك في حدود الثلث أو الربع.

وللشافعي قول آخر، وهو: أن يترك لصاحب النخيل: نخلة، أو نخلتان حسب قلة عياله او كثرتهم.

والذي نختاره هو: أنه يجوز لمالك الأشجار أن لا يحسب من الزكاة ما يأكله بسرًا أو رطبًا حسب العرف والحاجة دون الترفه والاسراف.

وأن مِنْ يأخذ بالأحوط وحسب الكل ودفع زكاته فهذا أحوط في حق الفقراء فله أجره عند الله تعالى.

رابعًا- لِمَنْ تُدفع؟

يجب أن تدفع حصة الزكاة إلى الفقراء والمساكين ونحوهما من بقية مصارف الزكاة الثمانية، ولا يُحسَبُ زكاةً ما يمنحه لأقاربه وجيرانه إذا لم يكونوا من المستحقين الثمانية.

رابعًا- كيف تُدفع؟

الجمهور على أنها تدفع تمرًا أو زبيبًا، أي من نفس الثمر أو الحبوب، وأجاز بعضهم – منهم الحنفية- دفع قيمتها للمستحقين، والأخذ بهذا الرأي من دفع القيمة مقبول إذا كانت حاجة الفقراء إلى النقود أكثر من الثمار والحبوب.

هذا والله أعلم بالصواب

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

        كتبه الفقير إلى ربه

                                   أ.د. علي محي الدين القره داغي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

آخر الفتاوى